أهمية اللغة العربية فى فهم الاسلام

أهمية اللغة العربية فى فهم الاسلام

المؤلف: د. أحمد البراء الأميري المصدر: الألوكة التاريخ : 14/01/2020 المشاهدات : 341

المحتوى


• اللغة هي الوسيلة الأولى للتخاطب بين الناس.

• وهي أهمّ أداةٍ من أدوات التفكير.

• وهي وعاء العلم والمعرفة، تحفظُها الكتابةُ من الضياع.

هذه الأمور الثلاثة تكاد - لوضوحها - تكون من البدهيات، ولكن الناسَ - في حياتهم العملية - لم يعطوا هذه (البدهيات) ما تستحقُّه من الاهتمام! ومع أنها مشتركة بين اللغة العربية وسواها، إلا أن العربية تتميز عن غيرها بأنها لغة الدين الإسلامي، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية؛ قال تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2].

وقال:

﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ، قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3].

والرسول - صلى الله عليه وسلم - خاطب قومه العرب بلسانهم؛ قال تعالى: ﴿

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ... ﴾ [إبراهيم: 4].

وهكذا فإن الأساسين الأَوَّلين لهذا الدين - القرآنَ والسنةَ - هما باللغة العربية، ولا يمكن فهمُهما، ومعرفةُ أسرارِهما، واستنباطُ الأحكام منهما لغير المتمكّن من هذه اللغة المباركة.

وقد أدرك الأئمةُ الأقدمون أهميةَ اللغة العربية في فهم كلام الله - سبحانه وتعالى - وكلامِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذا الإمام الشافعي - رحمه الله - يقول عنه زوجُ ابنته: "أقام الشافعي علمَ العربية وأيامَ الناس عشرين سنة، فقلنا له في هذا، فقال: ما أردت بهذا إلا استعانةً للفقه"[1]؛ أي: ظلّ عشرين سنة يتبحّر في اللغة العربية وعلومها ليفقه ويفهمَ القرآن والسنة، ولا يستغرب منه هذا، فهو الذي يقول: "أصحاب ُالعربية جِنُّ الإنس، يُبصرون ما لم يبصرْ غيرُهم"[2].

وكان علماء الدين يقولون: "من تكلّم في الفقه بغير لغةٍ تكلم بلسان قصير"! والمقام لا يتسع للتفصيل، وفيما ذُكر كفاية لإثبات المراد.

واللغة العربية بحر لا ساحل له، بعضُ علومها: النحو، والصرف، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع... إلخ، وكانت في الجيل الأول، جيل الصحابة - رضي الله عنهم - ملكةً وسليقة، ثم لما انتشر الإسلام في شتَّى البلاد، واختلط العرب بالمسلمين الجدد بالمصاهرة والمعاملة، والتجارة والتعليم، دخلت في لسانهم العجمةُ وبدأ الخطأ في الكلام، (فخفضوا المرفوعَ، ورفعوا المنصوب، وما إلى ذلك).

وقد بدأ هذا اللحن في وقتٍ مبكر جدًّا، إذ يُروى أن الخليفة الراشد عليًّا - رضي الله عنه - هو الذي وجَّه أبا الأسود الدؤلي إلى أن يضع أصولَ علم النحو حفظًا على اللغة العربية من الضياع[3]، فكيف الحال في زماننا، بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرنًا؟!

ومن العلوم المهمة جدًّا في فَهم كلام الله - سبحانه - وكلام رسوله - عليه الصلاة والسلام - بعد علوم العربية: علم أصول الفقه الذي يُحدِّد قواعد استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية في القرآن والسنة[4]، وهو أيضًا بحر لا ساحل له، وقد كُتِبَ باللغة العربية ونَقْلُهُ إلى لغة أخرى يُخِلُّ بالكثير من مقاصده، وهو إحدى الأدوات المهمة لمن يريد الاجتهاد في الدين.

وغني عن البيان أننا عندما نتكلم عن اللغة العربية، فإننا نعني: اللغة الفصحى، لا اللهجاتِ المحلية العامية التي ابتعدتْ عن أصلها، وتباينت فيما بينها تباينًا كبيرًا، جعل العربي المشرقي لا يكاد يفهم شيئًا مِن عامية العربي المغربي، وبالعكس!!

نخلص مما تقدم إلى نتائجَ من أهمها:

أولًا: العربية الفصحى هي وعاء الإسلام، ومستودع ثقافته، ومادة أكثر ما كُتب عنه على مدى القرون.

ثانيًا: يجب على المسلم الذي لا يعرف العربية أن يقفَ عند حدود علمه، فلا يجاوز تلك الحدودَ عند الحديث عن الإسلام.

ثالثًا: وكذلك المسلم الذي يعرف العربية مؤهل - أيضًا - للفهم في حدود معرفته، أما الاجتهاد، والحكم على أقوال الأئمة بالصواب والخطأ، والقوة والضعف فله أهلُه، وهو مقصورٌ على من يملكُ أدواتِه.

رابعًا: الذي لا يعرف قواعدَ البيان العربي، ومقاصدَ خطاب العرب يقع في أخطاءٍ في الفهم، ويستنبط من القرآن والسنة معانيَ بعيدةً عن مقاصد الشرع.

خامسًا: لا بدّ كذلك من معرفة عادات العرب أيام نزول الوحي؛ لأن القرآن نزل مراعيًا عُرْفَهم في الخطاب[5].

سادسًا: ينبغي بذل الجهد في نشر العربية بين المسلمين الذين لا يعرفونها، وتقويتُها بين الذين يعرفونها، فهذا مِنْ خير ما يُعينهم على فهمٍ أفضلَ للقرآن والسنة والعلوم الإسلامية.

[1] الفقيه والمتفقه؛ الخطيب البغدادي: 2/41. 

 [2] آداب الشافعي ومناقبه؛ الرازي: 150.

 [3] انظر: القواعد الأساسية للغة العربية؛ السيد أحمد الهاشمي: 13، 14. 

 [4] انظر: أصول الفقه؛ محمد زكريا البرديسي، 21 وما بعدها. 

 [5] انظر: ضوابط في فهم النص؛ د. عبدالكريم حامدي: 118، وفيه نقل عن كتاب: الموافقات في أصول الشريعة؛ للإمام الشاطبي.


التعليقات

  • أسباب نشر اللغة العربية وتعليمها لأبناء العالم الإسلامي اليوم
    أسباب نشر اللغة العربية وتعليمها لأبناء العالم الإسلامي اليوم

    بعد مناقشتنا في الصفحات الماضية للأبعاد الحضارية التي توجب علينا مواصلة الجهود في نشر وتعليم اللغة العربية لأبناء العالم الإسلامي نلم هنا إلمامة سريعة ببعض الأسباب والغايات (الضرورات) اللمحة التي تحتم علينا السعي الحثيث نحو الانطلاق في مواصلة الجهود لنشر اللغة العربية وتعليمها في بلاد العالم الإسلامي وخاصة دول المشرق، بل محاولة نشرها في ربوع العالم كله لأنه لا يوجد مكان في العالم يخلو من المسلمين أيا كان جنسهم ولونهم. وهذه الضرورات والغايات (الأسباب) تتمثل في الآتي:

  • معجم الفروق اللغوية
    معجم الفروق اللغوية

    معجم الفروق اللغوية

  • الآجرومية في النحو - مقدمة فضل تعلم اللغة العربية
    الآجرومية في النحو - مقدمة فضل تعلم اللغة العربية

    الآجرومية في النحو - مقدمة فضل تعلم اللغة العربية  

  • اللغة العربية هذه الأم الرؤوم
    اللغة العربية هذه الأم الرؤوم

    تتفرع اللغات السامية عن أسرة اللغات السامية الحامية أو ما يعرف باللغات الأفروآسيوية. وقد كان المؤرخ الألماني أوغست فون شلوتْسَر (1735ـ 1809) أول من استعمل مصطلح "اللغات السامية"، وموطنها بلاد الرافدين وبلاد الشام والجزيرة العربية وشمالي إفريقيا، وهي من أقدم لغات العالم. هناك كتابات مدونة باللغات السامية

  • مدى استفادة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من اللسانيات الحديثة
    مدى استفادة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من اللسانيات الحديثة

    مدى استفادة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من اللسانيات الحديثة

  • فوائت كتاب سيبويه
    فوائت كتاب سيبويه

    عنوان الكتاب: فوائت كتاب سيبويه المؤلف: الحسن بن عبد الله السيرافي أبو سعيد المحقق: محمد عبد المطلب البكاء حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة الناشر: وزارة الثقافة والإعلام العراقية سنة النشر: 2000 عدد المجلدات: 1 رقم الطبعة: 1 عدد الصفحات: 112 الحجم (بالميجا): 3