علاقة العربية باللغات السامية

علاقة العربية باللغات السامية

المؤلف: أ. د. أحمد عارف حجازي المصدر: الألوكة التاريخ : 13/01/2020 المشاهدات : 344

المحتوى

علاقة العربية باللغات السامية

 

مقدمة:

الحمد لله حمدًا يوافي نِعَمه الظاهرة والبطانة، ونصلي ونسلم على سيد ولد آدم ولا فخر.

هذه أوراق موجزة نُبين فيها على استحياء - بين ما كُتِب قبلنا وما سيُكتب بعدنا - بعض أسرار اللغة العربية في تاريخها الطويل منذ السامية الأم، مرورًا بنقوشها ولهجاتها حتى العصر الإسلامي، فالعصر الحديث، مع دراسة مشكلات العربية في هذا التاريخ، وتتمثل هذه المشكلات اللغوية التي تَحدَّتْها اللغة العربية وتَعدَّتْها في ذلك التفاعل اللغوي الذي نتج عن اتصال العربية بغيرها من اللغات؛ كالفارسية عقب الفتوحات الإسلامية، وقد أثمر هذا التفاعل اللغوي ثمارًا كثيرة؛ منها:

اللحن، وتعقيد الشعر، وكثرة الخطأ في تركيب الجملة العربية والبنية والدلالة، كما أنتج تلك المجادلات التي حدَثت بين الشعراء والنحاة، وبين النحاة أنفسهم.

 

ومن ثماره أيضًا مشاكل التعريب والمولد والدخيل، والمشترك اللفظي والأضداد والترادف، وإن كان بعض العلماء يُرجعون هذه المشكلات الثلاث الأخيرة إلى عوامل لهجية معينة أو نفسية، كما ستراها في حينها إن شاء الله.

ولا أزعم أني على شيء في هذه العجالة المكتوبة، بل هي آراء واستنتاجات وتعليقات، ليس فيها فضل إلا الجمع، وهي نتاج رحلة معينة، لها وضعها العلمي الخاص بها، ومن أراد أن يستزيد، فلن تكفيه أضعاف تلك الوريقات، وليرجع إلى ما كتبه أساتذتنا وعلماؤنا في مصر والعالم، وعلى رأسهم برجشتراسر، ويوهان فك، ود. رمضان عبدالتواب، ود. تمام حسان، ود. محمود فهمي حجازي، ود. عبده الراجحي.

واللهَ أسأل أن يَهدينا ويوفِّقنا سواء السبيل، وأن ينفع بتلك الوريقات، وهو حسبي عليه توكَّلت وإليه أُنيب.

أول مَن أطلق هذه التسمية (اللغات السامية) على العربية وأخواتها الساميات، هو المستشرق الألماني شلوتر [1]، Schlozer وذلك أخذًا من جدول تقسيم الشعوب الموجود في العهد القديم والذي جاء فيه:

"وهذه مواليد بني نوح، سام وحام ويافث، ووُلِد لهم بنون بعد الطوفان، بنو يافث جومر ومأجوج وماداي وياوان، وتوباك وماشك وتيراس، وبنو جومر أشكناز وريفاث وتوحرمه، وبنو ياوان ألبشة وترشيش، وكتيم ودودانيم، ومن هؤلاء تفرَّقت جزائر الأمم بأراضيهم، كل إنسان كلسانه حسب قبائلهم بأُممهم، وبنو حام كوشن ومصرايم وفوط وكنعان..

وسام أبو كل بني عامر، أخو يافث الكبير، ووُلِد له أيضًا بنون، بنو سام عيلام وأشور، وأرفكشاد ولود وأرام، وبنو أرام عوض وحول جاشر وماش، وأرفكشاد ولد شالح، وشالح ولد عاير، ولعاير ولد ابنان اسم الواحد فالج؛ لأن في أيامه قسمت الأرض، واسم أخيه يقطان، ويقطان ولد ألموداد وشالف وحضرموت، ويارح وهد وارم وأوزال ودقلة، وعوبال وأبيمايل وشبا، وأفير وحويلة ويوباب، جمع هؤلاء بنو يقطان، وكان مسكنهم من حيشا حينما تجيء نحو سفار الجبل المشرق.

هؤلاء بنو سام حسب قبائلهم كألسنتهم بأراضيهم حسب أممهم، هؤلاء قبائل بني تفح حسب مواليدهم بأممهم، ومن هؤلاء تفرَّقت الأمم في الأرض بعد الطوفان[2].

من هذا التقسيم السابق أخذ شلوتر كلمة اللغات السامية؛ حيث رجع كل العالم إلى الشعوب التي عمرت الأرض بعد انحسار طوفان نوح عليه السلام، وهي ذرية أولاده الثلاثة، سام وحام ويافث، وتنقسم اللغات السامية إلى مجموعتين رئيسيتين؛ هما: الشرقية، والغربية، وتنقسم الغربية إلى مجموعتين أُخريين؛ هما: الشمالية، والجنوبية.

المجموعة الشرقية:

هي اللغات: الأكادية بفرعيها البابلية والآشورية، وقد عرفناها عن طريق النقوش المكتوبة على الطين المجفف بالخط المسماري، ومن أهمها النقش المدون عليه قانون (حمورابي)، وهو من أقدم الشرائع الأرضية، وموطن هذه اللغة هو بلاد ما بين النهرين، دجلة والفرات في العراق.

وقد قامت هذه اللغة منذ القدم، ولا يوجد من يتكلم بها الآن، وقد اكتشفها بوتا Botta القنصل الفرنساوي في الموصل، بواسطة حفريات سنة 1843 م.

المجموعة الغربية:

وتقسم إلى قسمين:

أ- السامية الغربية الشمالية:

وتنقسم إلى اللغتين الكنعانية والآرامية.

1- الكنعانية:

تنقسم إلى الكنعانية الشمالية والكنعانية الجنوبية.

وتمثل الكنعانية الشمالية اللغة الأوجاريتية، وهي لهجة كنعانية قديمة، كانت تستخدم في أوجاريت - شمال اللاذقية - في سوريا، وقد اكتُشِفت سنة 1929 م.

 

والكنعانية الجنوبية تشمل اللغة العبرية، وأهم نص كُتِب بها هو العهد القديم، ويشمل ما يسمى - عند اليهود - بالتوراة، وهي أسفار موسى عليه السلام الخمسة؛ سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر التثنية، ثم كُتب الأنبياء، والمكتوبات؛ مثل: مزامير داود عليه السلام، وأمثال سليمان.

 

ومن الكنعانية الجنوبية أيضًا: (خطابات تل العمارنة)، وهي خطابات وُجِدت في منطقة تل العمارنة - شمال دير مواس بالمنيا، وترجع إلى حوالي عام 1425 - 1350 ق. م، وهي عبارة عن رسائل أرسلها أمراء سوريا وفلسطين إلى حكام مصر آنذاك باللغة الآشورية، وبها تعليقات باللغة الكنعانية، ومن هذه اللغة أيضًا اللغة المؤابية، وتمثِّلها لوحة تذكارية كُتِبت لتخليد انتصار الملك ميشع ملك مؤاب، ويعود تاريخ هذه اللوحة التذكارية إلى حوالي عام 900 ق. م، وقد اكتشفت عام 1868 م، وهي محفوظة في متحف اللوفر في باريس.

 

ومن فروع الكنعانية الجنوبية اللغة الفينيقية، وقد وصلت إلينا عن طريق النقوش التي أهمها نقش الملك (كلمو) حوالي ( 600 ق. م)، وقد اكتشفت في تل زنجبيرلي في سوريا، ويحفظ الآن في متحف برلين بألمانيا الشرقية.

وقد نشر الفينيقيون لغتهم عن طريق الاستعمار في بلاد شمالي البحر المتوسط، وبخاصة في قرطاجنة؛ حيث سُمِّيت هناك (اللغة اليونية)، ولا يعرف من آثار هذه اللغة سوى مسرحية شوية كتبها الشاعر الروماني بلوتوس (Platutus).

2- الآرامية:

وهي من أقسام اللغات السامية الغربية الشمالية، ومن نقوشها القديمة نقش (تل حلف)، ونقش الملك (بنمو الأول)، وقد مرَّت على تلك اللغة فترة من الزمن عُرِفت فيها باسم آرامية الدولة، نظرًا لاستخدام الأخمينيين الفرس هذه اللغة في كتابة دواوين دولة الفرس.

ومن النصوص المكتوبة بآرامية الدولة أجزاء من العهد القديم: (سفر دانيال، وسفر عزرا، وسفر أرميا).

كما كُتِبت بالآرامية أوراق بردي عُثِر عليها في جزيرة فيلة بأسوان، حوالي مائة بردية ترجع إلى حوالي عام 400 ق. م.

كما دوِّن باللغة الآرامية (الترجوم)، وهو ترجمة العهد القديم من العبرية إلى الآرامية، وتكلَّم بها السامريون أيضًا.

ووجدت نصوص بالآرامية في صحراء سيناء، ونقوش نبطية، وتدمرية، وهي ترجع إلى القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادي.

ومن لهجات اللغة الآرامية اللغة (المنداعية)، وهي لهجة طائفة العارفين المسيحية التي لا تزال توجد في جنوب العراق إلى اليوم.

وتعد اللغة السريانية أهم لهجات اللغة الآرامية، وتنقسم إلى سريانية شرقية يتكلم بها المسيحيون التابعون لتعاليم يعقوب براديوس وهم اليعاقبة، وقد طغت اللغة العربية على الآرامية عن طريق الفتوحات الإسلامية، غير أنها لا تزال يتكلم بها من جهات جبلية؛ مثل: قرية المعلولة في سوريا وطور عابدين في العراق.

ب- السامية الغربية الجنوبية:

وتضم هذه المجموعة لغتين؛ هما:

1- اللغة العربية: وتنقسم قسمين:

• العربية الشمالية: وهي وسط الجزيرة العربية وشمالها، وهي التي ما تزال بين أيدينا، لغة القرآن الكريم، ونعرفها باللغة العربية الفصحى، وقد انتشرت لغتنا العربية، وكتَب الله لها الخلود ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربُّك، وذلك لنزول القرآن الكريم بها، وذلك الدستور السماوي الذي يُتلى صباحَ مساء، ويُتعبَّدُ به في مشارق الأرض ومغاربها.

• العربية الجنوبية: وتعرف باللغة الحِميرية، وتنقسم إلى لهجتين؛ هما: المعينية والسبئية، وذلك نسبة إلى قبائل حمير ومعين وسبأ في بلاد اليمن جنوبي الجزيرة العربية.

2- اللغة الحبشية:

وهي اللغة التي تكلم بها سكان جنوبي شبه الجزيرة العربية؛ حيث انتقلوا عبر بحر العرب والمحيط الهندي إلى الصومال وإثيوبيا (بلاد الحبشة)، وقد اختلطوا بأهلها الحاميين، وطغت لغتهم على لغة هؤلاء الأقوام، وقد تمت هذه الهجرة إلى الحبشة قبل الميلاد بوقت طويل، وتُسمى لغتهم أيضًا الجعزية؛ نسبة إلى الشعب الجعزي، ثم اقتبس الأحباش من اللغة الحبشية لغتهم الإثيوبية السائدة الآن، ثم تفرعت إلى لهجات كثيرة؛ أهمها: الأمهرية [3].

 

وهذا رسم تخطيطي للغات السامية وفروعها[4]:


[1] انظر فصول في فقه العربية 21، وتاريخ اللغات السامية 2.

[2] العهد القديم: سفر التكوين، الإصحاح العاشر 16 ، 17.

[3] انظر في العرض السابق: فصول في فقه العربية 21 – 29، وتاريخ اللغات السامية 1 – 8.

[4] فصول في فقه العربية 29.

التعليقات