للّغة العربية بحكم إفريقيتها، وبحكم انتشارها الواسع في قارة إفريقيا، وبحكم ارتباطها بالدين الإسلامي، وبحكم ثراء إرثها وتراثها، علاقةٌ متميزةٌ بعددٍ من اللغات الإفريقية، ولا سيما لغات الشعوب الإسلامية، مثل: (السواحيلية، والهوسا، والماندنقو، والفولانية)، فهي (أي العربية) تتكلمها شعوبٌ وقبائلُ إفريقيةٌ بوصفها اللغة الأمّ، لا لغة ثانية أو أجنبية، ليس ذلك في شمال إفريقيا وحسب، بل في وسطها وغربها وشرقها.
ومن خلال هذه العلاقة المتميزة استطاعت اللغة العربية أن تؤثّر في هذه اللغات تأثيراً واضحاً، فأقرضت العربيةُ كثيراً من ألفاظها لقواميس كثيرٍ من اللغات الإفريقية، وساهمت في نشأة كثيرٍ من الآداب الإفريقية ذات الصبغة الإسلامية، مثل الأدب الهوسوي الإسلامي، كما وهبت حرفها لعددٍ معتبرٍ من اللغات الإفريقية، خصوصاً ذات الأكثرية المتحدثة، كالسواحيلية والهوسا والأورومو، وبذلك نقلتها من لغاتٍ شفاهيةٍ إلى مصافّ اللغات المكتوبة.. إلخ.
علاقة الاشتراك في الأصول: وهذا المستوى يخصّ اللغات التي تشترك مع العربية في الانتماء لأسرة اللغات الإفريقية الآسيوية بأفرعها المختلفة (السامي، والكوشي، والتشادي، والبربري، والمصري القديم، والأومي)(1).
علاقة الاتصال المباشر: وهذا المستوى يعبّر عن وجود متحدثي اللغة العربية واللغة الأخرى في مكانٍ واحد، وجود يسمح بالتأثير اللغويّ الكثيف، كحالة اللغات الدارفورية المختلفة واللغة العربية في إقليم دارفور.
علاقة الاتصال غير المباشر: وهذا المستوى يعبّر عن ذلك الاتصال الذي يتمّ عبر التقاليد الأدبية (كالقصيدة والرواية والمقامة… إلخ)، ولا يشترط وجود متحدثي اللغتين أو اللغات في مكانٍ واحد.
وتختلف مستويات العلاقة بين العربية واللغات الإفريقية من لغةٍ لأخرى، ومن منطقةٍ إفريقيةٍ لأخرى، وهذا أمرٌ بالإمكان التحقّق منه نظريّاً وعمليّاً، لأنّ اللغة العربية ليست على حالةٍ واحدةٍ أو وضعٍ واحدٍ في جميع أنحاء قارة إفريقيا. أما فيما يخصّ علاقة اللغة العربية بلغة الأورومو (تعد الأورومو من لغات إثيوبيا الكبرى، بل من اللغات العشر الأوائل في قائمة اللغات ذات الأكثرية المتحدَّثة في قارة إفريقيا التي تضمّ أكثر من ألفي لغة)؛ فيمكن تناولها في المستويات الثلاثة سابقة الذكر؛ لمعرفة طبيعة هذه العلاقة، وما ترتب عليها. علاقة الاشتراك في الأصول بين اللغة العربية ولغة الأورومو: هناك صلةٌ عريقةٌ بين شبه جزيرة العرب وإفريقيا، تتمثل في وضوح التشابه، عرقاً، وثقافةً، ولغةً، بين الشعوب المتكلمة لأسرة اللغات الإفريقية الآسيوية بأفرعها المختلفة: السامي، والكوشي، والتشادي، والبربري، والمصري القديم، والأوميّ، التي مرّ ذكرها. وهي: ، ومن أهم لغاته: الأمهرا، والتجري، والتجرينيا، والعربية. ، ومن أهم لغاته: الأورومو، والصومالية، والبجاوية. Aari، وكارو Karo، ودزي Dizi. اللغات السامية)، ألا وهو ثيودور نولدكه، حين يقول: «إنّ:… القرابة الكائنة بين اللغتين: السامية والحامية تدعو إلى الاعتقاد بأنّ الموطن الأصليّ للساميين كان في إفريقيا، لأنه من النادر أن يظنّ أنّ الحاميين كان لهم موطنٌ أصليٌّ غير القارة السوداء»(3). وقد بنى نولدكه رأيه هذا على التشابه الخلْقيّ بين الحاميّين والساميّين، وعلى الأخصّ سكان جنوب الجزيرة العربية، وقال: إنّ عَظْمة الساق في الأقوام السامية هزيلة، تماماً كما هو الحال في سكان إفريقيا الأصليّين، كما يشترك الشعبان في مشابهة شعر الرأس للصوف، وكذلك بروز الفكين(4).
فيمكن استعراض الإفادات الآتية:
وهذا الفرع- وفقاً لرمضان عبد التواب- يضمّ(5):
وهي الأكادية؛ بفرعيها البابليّ والآشوري. وتنقسم إلى لغات: غربية شمالية، وغربية جنوبية. (الكنعانية، والآرامية)، والأولى تنقسم إلى: كنعانية شمالية؛ وتمثلها الأوجارتية، وكنعانية جنوبية؛ وتشمل اللغة العبرية، وكذلك اللغة الفينيقية. والثانية تنقسم إلى: قديمة ووسطى، والوسطى تنقسم إلى شرقية وغربية، ومن أهمّ لهجات الآرامية الشرقية: السريانية.
تنقسم إلى قسمين، هما: (العربية الجنوبية، والعربية الشمالية)، فالأولى: تُعرف عند اللغويين باللغة الحميرية، وموطنها اليمن وجنوبي الجزيرة العربية، ولها لهجتان، هما: (السبئية، والمعينية). أما الثانية: فهي لغة وسط الجزيرة العربية وشماليها، وهي تُسمّى: اللغة العربية الفصحي. فهي لغة ذلك الشعب الساميّ الذي خرج من جنوبي الجزيرة العربية إلى الحبشة، واستعمروها، واختلطوا بأهلها القدامى من الحاميّين اختلاطاً شديداً، وتسمّت لاحقاً باللغة الجعزية، وأحياناً بالإثيوبية، وفيما بعد تفرقت إلى لهجات؛ أبرزها: الأمهرية.
وهذا الفرع- وفقاً لريتشارد هيوارد – يضمّ(6): تضمّ لغة: البجا (البداويت). Agaw، وهي نوعياتٌ لغويةٌ متباينة. Burji. هي: وتمثلها لغتا: الساهو، والعفر. وتمثلها لغة: الأورومو. وتمثلها اللغة الصومالية. Dully: Tsamay. Iraqw. أنّ بين اللغة العربية ولغة الأورومو علاقة رحمية (جينية)، تتمثّل في اشتراكهما في الأصول؛ إذ هما لغتان تنتميان إلى أسرة اللغات الإفريقية الآسيوية (وهي– في الواقع- لا تساوي ما كان يسمّى باللغات السامية الحامية مساواة التطابق، بل تتشاركان في الغالبية العظمى من تلك اللغات)، لكنهما تختلفان في الأفرع، فالعربية تنتمي إلى (الفرع السامي)، والأورومو تنتمي إلى (الفرع الكوشي). Basic vocabularies (وهي عدد محدود من الألفاظ لا تلجأ اللغات عموماً لاقتراضها من اللغات الأخرى، ويفترض أن تكون أصيلة في كلّ لغة، ومن ثمّ تعد معياراً لقياس درجة التشابه بين اللغات، ولاستنباط صلة القرابة بينها):
الكلمة العربية | الكلمة الأورومية |
أب | aabba/abba/abbi |
أرض | ardi |
سماء | sami |
قلب | galb |
فم | Afaa (n) |
أنا | anaa |
روح | ruhi |
– ومن ذلك: شيوع ظاهرة التذكير والتأنيث في اللغتَيْن: وهي ظاهرة مميزة لأسرة اللغات الإفريقية الآسيوية عن الأسرات اللغوية الأخرى التي صُنّفت لها اللغات الإفريقية (وهي: أسرة اللغات النيلية الصحراوية، وأسرة اللغات النيجر كردفانية، وأسرة اللغات الكويسانية).
الكلمة الأورومية | الكلمة العربية |
moti | بمعنى “ملك” |
motitti | بمعنى “ملكة” |
deerri) dufe) | بمعنى “جاء )الرجال(“ |
(dubartiin) dufte | بمعنى “جاءت )النساء(“ |
من المعلوم المسلّم به- تاريخيّاً- أنّ بين الجزيرة العربية والحبشة (إثيوبيا) صلة قديمة؛ بحكم الجوار والتجارة، وخصوصاً مع جنوب الجزيرة العربية، وقد أدى هذا إلى وجود تأثيرٍ متبادلٍ بين المنطقتين في الحياة الاجتماعية، واللغوية، وبعض التقاليد والعادات. ومما لا شك فيه أنّ هذه الصلة قويت بصورةٍ واضحةٍ بعد ظهور الإسلام، وما تلا ذلك من عصورٍ صاحبها حراكٌ سكانيٌّ- قديمٌ وحديث- من وإلى المنطقتَيْن، وقد ساهم ذلك في بروز علاقة اتصالٍ مباشرٍ بين اللغتَيْن (العربية، والأورومية)، وبين المنطقتَيْن (جزيرة العرب، والحبشة).
ومن تفاصيل ذلك: أنّ العرب في إثيوبيا (في التاريخ الحديث والمعاصر)- كما يحدثنا محمد تاج الرحمن العروسي، في اختصارٍ شديدٍ- معظمهم من اليمن الشمالي والجنوبي، وقد كان عددهم في ازديادٍ مستمرٍ إلى عهد الإمبراطور هيلاسلاسي، وعندما تمّت مضايقتهم- لاحقاً- رحل معظمهم من إثيوبيا وعادوا إلى اليمن، كما ذهب أكثرهم إلى الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية.
ويضيف العروسيّ: أنّ التجارة كانت في السابق بأيديهم، ولهم جهودٌ طيبةٌ في نشر الدين الإسلامي بجانب الثقافة والتمدّن والحضارة، ومن الملاحظ أنهم كانوا يكثرون الزواج من الإثيوبيات، ولكنهم لا يزوّجون بناتهم للإثيوبيين إلا نادراً، كما أنّ الإثيوبيين لا يتحمّسون للزواج من بناتهم(7).
هذا بالإضافة إلى أنّ هناك قبائل من الحبشة يعود أصلها إلى العرب، لكنهم بطول الزمن نُسي تاريخهم، وإن كانت هناك بعض الملامح التي تدلّ على أصلهم، بينما هناك بعض الأفراد الذين استطاعوا المحافظة على شجرة النسب(8).
أما قديماً؛ فتُحدثنا المصادر التاريخية- فيما يخصّ الإسلام والعروبة في بلاد الحبشة والزيلع (منطقة القرن الإفريقي)- أنّ الإسلام تسرّب إلى تلك البلاد في عهده الأول، تسرباً بطيئاً في ركاب المهاجرين إلى إفريقيا من التجّار والدعاة عبر المسالك البحرية المعهودة، وكان لذلك أثرٌ كبيرٌ في نموّ المدن الساحلية الزيلعية التي ازدحمت بهؤلاء المسلمين المشتغلين بتجارة الرقيق وغيرها من التجارات، وظهرت في هذا العصر جالياتٌ إسلاميةٌ قويةٌ في: (دهلك، وسواكن، وباضعن وزيلغ، وبربرة)، وقد انجلى عن ذلك ازدهار الحياة الإسلامية في تلك المدن، وتوطيد النفوذ الإسلامي على طول السهل الساحلي، وظهرت مدنٌ إسلامية على ذلك الساحل، كأنها العقد أو الطراز، في الفترة بين القرنَيْن العاشر والثالث عشر الميلاديَّيْن(9).
ويبدو أنّ الإسلام نفذ إلى الداخل في وقتٍ مبكر، ربما في القرن الثالث الهجري، حين تطرّق إلى منطقة شوا، حيث قامت سلطنة إسلامية، عملت على توطيد العقيدة الإسلامية في جنوب الحبشة وشرقها، وهي سلطنة شوا الإسلامية (255هـ – 684هـ) (896م – 1285م)، ظهرت على يد أسرةٍ عربيةٍ تُسمّى ببني مخزوم، وهم مهاجرون عرب، نفذوا إلى هذه الجهات في ذلك الوقت المبكر(10).
كما قامت سلطنة أوفات الإسلامية (648هـ – 805هـ) (1250م – 1402م)، وقد أسّسها قومٌ من قريش من بني عبد الدار، أو من بني هاشم؛ من ولد عقيل بن أبي طالب(11).
ويرى بعضُ الكتاب أنّ علاقة الأورومو بالإسلام بدأت منذ أن توطدت أركانه في الأجزاء الساحلية لشمال إفريقيا، بين القرنين الميلاديَّيْن العاشر والثاني عشر، بما يُعرف بمنطقة الطراز الإسلامي، وانطلاقاً من هذه الإمارات أخذ الإسلامُ ينتشر ويكسب مؤيدين له وسط الأورومو، حتى إذا ما جاء الإمام أحمد إبراهيم دخلت في بيعته قبائل كاملة. وكان اعتناق الأورومو للإسلام بطيئاً وتدريجيّاً، وقد كانوا على حذرٍ شديدٍ في أثناء احتكاكهم بالقبائل التي اعتنقت الإسلام منذ زمنٍ طويل، وقد اعتنق عددٌ من أورومو الجنوب الشرقيّ لهرر الإسلامَ في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد فسّر بعضُ المؤرخين انتشار الإسلام وسط الأورومو بأنه جزءٌ من عملية الدفاع عن النفس ضدّ محاولات تنصيرهم وأمهرتهم، وأصبح الإسلام جزءاً من أيديولوجية البقاء والدفاع عن الذات(12), وتجلّى هذا الأمر في عظم الابتلاءات التي تعرضوا لها من قِبل الآخرين. هذا، وتشير بعضُ المصادر التاريخية إلى أنّ بعض مناطق الأورومو، والمناطق المجاورة لهم، سادت فيها إمارات حكمت بالشريعة الإسلامية، وازدهرت في كنفها اللغة العربية(13), وكانت كلّ منطقةٍ من مناطق الأورومو وغيرها من مناطق إثيوبيا تشتهر بعددٍ معتبرٍ من العلماء، وبمؤلفات لهم في مختلف العلوم(14), لا مجال للوقوف عندها هنا، وكلّ ذلك يدلّ على مكانة اللغة العربية والثقافة العربية والإسلامية في إثيوبيا عموماً، وفي منطقة أوروميا خصوصاً. يُفهم من هذا ومن غيره، مما تذكره المصادر التاريخية عن الهجرات من شبه جزيرة العرب إلى منطقة شرق إفريقيا وإثيوبيا (الحبشة) تحديداً لأغراضٍ مختلفة كالتجارة والاستيطان، أنّ منطقة إثيوبيا- بما فيها المنطقة التي يعيش فيها شعب الأورومو- كانت منطقة التقاء بين العرب والقبائل الإثيوبية المختلفة قديماً وحديثاً، ليس مجرد التقاء فحسب، وإنما استطاع هؤلاء العرب أن يقيموا ممالك إسلامية حفلت بتفاصيلها كتب التاريخ، وهذا كله أتاح لشعب الأورومو أن يحتك بالعرب مباشرة، ويأخذ عنهم، ويتأثر بلغتهم، وثقافتهم، وسنتناول بشيء من التفصيل جانباً من تأثر لغة الأورومو باللغة العربية لاحقاً.
أما حديثاً؛ فتوجد بمناطق الأورومو قبائل عربية يمنية، خصوصاً في منطقة جمة وهرر، إذ في هاتَيْن المنطقتين ما يمكن أن يُشار إليه بأنها ملامح عربية، مثل: طول الشعر، واللون (الفاتح)، والجمال البيّن في كثيرٍ من الفتيات(15), وهذه ملامح يُمكن أن تلاحظ – أيضاً- عند بعض الإثيوبيين. مهما يكن من أمر؛ فإنّ لعلاقة الاتصال المباشر بين متحدثي اللغة العربية (العرب)، ومتحدثي لغة الأورومو (الأورومو)، التي كان مسرحها أرض الأورومو (أوروميا)، تأثيراً مباشراً من العربية في الأورومو، إذ إنّ العربية أقرضت الأورومو ألفاظاً عديدة، خصوصاً في مجال الألفاظ الخاصّة بالدين الإسلامي، والتجارة. والحقّ، فيما نرى، أنّ علاقة الاتصال المباشر بين اللغة العربية ولغة الأورومو تمثّل الآن أعلى مستوى للعلاقة بين اللغتَيْن؛ مقارنةً بمستوى علاقة الاشتراك في الأصول المذكورة سابقاً، وبمستوى علاقة الاتصال غير المباشر التي ستُذكر بعيد قليل، لذلك سيتم التفصيل في أحد مخرجات هذه العلاقة؛ تحت عنوان: الألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو- كما سيأتي-. يبدو لي أنّ ما تناولناه من تفاصيل تخصّ علاقة الاتصال المباشر بين متحدثي اللغة العربية (العرب)، وبين متحدثي لغة الأورومو (الأورومو)، تقف دليلاً على أنّ إمكانية علاقة الاتصال غير المباشر أقلّ درجةً ومقداراً في هذا المجال، خصوصاً في العصور القديمة التي كان فيها للعرب وجودٌ مؤثرٌ في إثيوبيا عموماً، وفي أرض الأورومو (أوروميا) خصوصاً.
أما في وقتنا الحالي؛ فيتاح لنا تصور علاقة اتصال غير مباشرة بين العربية والأورومو؛ لأنّ لغة الأورومو قد تتأثر بالعربية عن طريق التقاليد الأدبية العربية المختلفة في مظانها المتنوعة، أو عبر مصدرٍ آخر قد تمثله لغات إثيوبية مختلفة؛ كالأمهرية، أو لغات أوروبية؛ كالإنجليزية. وعليه؛ بعد أن تضاءل الوجود العربي في إثيوبيا؛ فإنّ المستقبل كفيلٌ بخلق علاقة اتصال غير مباشر بين العربية والأورومو، ومن الصعوبة بمكان إعطاء أمثلة توضّح هذه العلاقة أو تصور طبيعتها وكيفيتها، ولكن يمكن استشرافها جنينيّاً بعد أن انفتح شعب الأورومو على الأقطار العربية والإسلامية، وزادت فيه نسب التعليم، والإقبال على تعلّم العربية، والتدين المؤسّسي والشعبي؛ انفتاحاً سيمنح الأورومو مزيداً من الاحتكاك بالتقاليد الأدبية المتنوعة للغة العربية.
تبدو ظاهرة الاقتراض بين اللغات بأنواعها عملية اجتماعية في بعض مناحيها، وليست لغوية صرفة(16), ونسبةً للفوارق الحضارية والثقافية الواضحة بين متحدثي اللغة العربية على امتداداتهم الجغرافية، ومتحدثي لغة الأورومو في مناطقهم المختلفة، فقد اقترضت الثانية من الأولى عدداً من الألفاظ المتنوعة، وقد كانت الأسباب الرئيسة من وراء ذلك الاقتراض هي الأسباب العامّة المشتركة التي تصاحب كلّ لغتَيْن تتعايشان لفترات طويلة، وتكون إحداهما أكثر تفوّقاً من الأخرى. على ذلك؛ يمكن تصور أنّ أهمّ أسباب اقتراض لغة الأورومو من العربية ما يأتي: الحاجة: وذلك بإيجاد ألفاظٍ لموضوعات ومفهومات جديدة؛ لم تكن في الغالب موجودة في لغة الأورومو، (وهذا في رأينا أهمّ الأسباب قاطبة).
المكانة: ونعني مكانة اللغة العربية بما تحمله من ثقافة، ومن رمزية حضارية، ودينية، وثقافية، (وهذا من الأسباب المهمة).
3– النزعة إلى التفوق: وذلك أنّ اللغة العربية لغة أمّة محسوبة في عداد الأمم التي يُنظر إليها بأنها جديرة بالتقليد.
الإعجاب باللفظ الأجنبي: وذلك أنّ كثيراً من الألفاظ العربية لها جرسٌ أو معنى يعجب الآخرين.
هذا فيما يخصّ أسباب اقتراض لغة الأورومو من اللغة العربية، فكيف تمّ جمع هذه الألفاظ؟
إنّ الإجابة عن هذا السؤال المهمّ يمكن اختصارها في القول: بأنّ القائمة الأولية التي تمّ إعدادها للألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو، وهي قائمة ليس القصد منها الحصر لوضع قائمة نهائية، لهي نتيجة لعددٍ من المقابلات مع عينات مختارة بعناية، تمثّل عدداً من الطلاب الإثيوبيين من قبيلة الأورومو من مختلف مناطقهم، وهم يمثّلون فئات عمرية مختلفة تتحدث لغة الأورومو بوصفها اللغة الأمّ، وما يزالون يتحدثون هذه اللغة بطلاقة، ويحافظون على استخدامها. ويغلب على هؤلاء الطلاب أنهم طلابٌ في كليات جامعة إفريقيا العالمية المختلفة، أغلبهم حديثُ عهد بالسودان، وبعضٌ منهم طلاب دراسات عليا في الجامعة نفسها، ولم تنقطع صلاتهم ببلدهم. استطاع الباحث بعد عدة أشهر من المقابلات المتنوعة زماناً ومكاناً- في عام 2009م- أن يجمع عدداً مقدّراً من الألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو(17), وهذا العدد يمثّل قائمة غير نهائية في هذا المجال، لأنه في رأينا لا يعكس طبيعة العلاقة الحميمة التي جمعت متحدثي اللغتَيْن طوال فترة ممتدة لعدد من القرون. كما استطاع الباحث، من خلال مقابلاته مع عددٍ منهم، أن يقف على أصوات لغة الأورومو، وذلك لمقابلتها ومقارنتها بأصوات العربية؛ لمعرفة مدى التكيّف الصوتي للألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو – ستُنشر– إن شاء الله- في بحثٍ لاحق. مهما يكن من أمر؛ فإننا الآن أمام عددٍ من الألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو، فما الحقول الدلالية التي تمثلها هذه الألفاظ، تمهيداً لمعرفة تكيّفها الصوتي في هذه اللغة؟
الكلمة العربية | الكلمة الأورومية |
الكافر | kaafir |
الحرام | haraama |
الكعبة | kaaba |
الآخرة | aakira |
الحمد | hamdi |
البركة | baraka |
الإيمان | ilmaan |
الشر | shari |
الخير | kairi |
الكلمة العربية | الكلمة الأورومية |
ميزان | miizaan |
فائدة | faida |
تاجر | daldalla |
الكلمة العربية | الكلمة الأورومية |
الصابون | saamuna |
السكر | shukaara |
الكلمة العربية | الكلمة الأورومية |
السبت | sabti |
الأحد | ahada |
الثلاثاء | talada |
الخميس | kamsa |
محرم | muharam |
صفر | safar |
الكلمة العربية | الكلمة الأورومية |
اللوح | lohi |
الكتاب | Kitaab |
العالم | aalim |
الأدب | adab |
المتعلم | mutaallima |
إنّ ما تمّ استعراضه من حقولٍ دلاليةٍ يظلّ قائمة أولية، آملين أن لا يكون هناك تعسف في استنباط مسمّيات هذه الحقول، وهذه القائمة الأولية يُقصد بها فقط تسهيل دراسة الألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو، وقد رأينا في هذا المضمار التعليق على حقلَين مهمَّيْن، هما: حقل ألفاظ الدين الإسلامي، وحقل ألفاظ التجارة. :
يعدّ الحقل الخاصّ بألفاظ الدين الإسلامي أكثر الحقول الدلالية حظوة بالألفاظ المقترضة في لغة الأورومو، وهذا يتناسب مع ارتباط تاريخ اللغة العربية بانتشار الإسلام في إثيوبيا (وبخاصّة أوروميا)، كما يؤكد أنّ الإسلام هو محور الارتكاز للعلاقة بين اللغتين، فالدين الإسلامي بوصفه نظاماً روحيّاً جديداً على مجتمع الأورومو (في ذلك الوقت)، ورد إليه متكاملاً، ومصحوباً بأدواته التعبيرية، إذ كان الأوروميون وثنيين، وما كان يتوقع للغتهم أن تحتوي على ألفاظ تعبّر عن مفاهيم ومضامين هذا الدين الجديد. ولعلّ السبب المباشر، في كثرة الألفاظ العربية التي تقع ضمن هذا الحقل في لغة الأورومو، يرجع إلى أنّ الأورومو اتصلوا بالإسلام، كما أشرنا سابقاً، منذ توطيد أركانه في الأجزاء الساحلية لشمال إفريقيا بين القرنَيْن الميلاديَّيْن العاشر والثاني عشر، وما تلا ذلك من عقودٍ أصبح فيها للإسلام مكانة عظيمة في تلك البقاع من قارة إفريقيا.
: أما فيما يتعلق بحقل ألفاظ التجارة؛ فمعروفٌ أنّ للعرب منذ القدم نشاطاً تجاريّاً مع شرق إفريقيا ومع الحبشة (إثيوبيا)، وبالتالي مع (أوروميا)، وقد توسع هذا النشاط وازداد بمرور الزمن حتى بلغ منتهاه. وفي أيامنا الحاضرة ما تزال العقلية العربية تسيطر على أهمّ الأسواق التجارية في إثيوبيا، ولعلّ من أهم إفرازات ذلك تسرّب عدد من الألفاظ التي تعبّر عن ذلك النشاط إلى عدد من اللغات الإفريقية، وكان نصيب لغة الأورومو، كغيرها من اللغات، عدداً من الألفاظ التي ترتبط بهذا الحقل الحيوي.
ويُفهم من هذا ومن غيره، ممّا تقدمه لنا المصادر التاريخية عن خصوصية الإسلام والثقافة الإسلامية والتجارة التي يقوم بها العرب وما يزالون في أرض الأورومو (أروميا)، أنّ للإسلام والتجارة دوراً كبيراً في تغذية لغة الأورومو بعددٍ معتبر من الألفاظ التي تعبّر عن هذَيْن المجالًيْن الحيويَّيْن.
أنّ علاقة اللغة العربية بلغة الأورومو يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات: الأول: علاقة الاشتراك في الأصول، إذ تنتمي اللغتان إلى أسرة اللغات الإفريقية الآسيوية، وتختلفان في الأفرع، فالعربية تنتمي إلى الفرع الساميّ، والأورومو تنتمي إلى الفرع الكوشي، وهذا كفل لهما أن تشتركا في بعض العناصر اللغوية.
والمستوى الثاني: علاقة الاتصال المباشر الذي تمّ بين العرب متحدثي العربية والأورومو متحدثي الأورومية، في أرض الأورومو، وهذا النوع من الاتصال جعل لغة الأورومو تتأثر بصورة مباشرة باللغة العربية وثقافتها، خصوصاً في مجال الحقول ذات الارتباط بالدين الإسلامي والتجارة والمنتجات العضوية وغيرها، ويمثّل هذا المستوى أعلى درجة للعلاقة بين اللغتين مقارنة بالمستويَيْن (الأول السابق، والثالث اللاحق).
والمستوى الثالث: علاقة الاتصال غير المباشر، وهو يعكس فترة تضاءل الوجود العربي في أوروميا؛ وتأثر فيه الأورومو بالعربية عبر التقاليد الأدبية المختلفة، وليس عبر العرب مباشرة، وهو ما يمكن استشرافه في المستقبل القريب.
أنّ الأسباب الأساسية التي جعلت لغة الأورومو تقترض ألفاظاً من اللغة العربية هي الأسباب العامّة نفسها التي تصاحب كلّ لغتَيْن يحدث بينهما اتصالٌ عبر المتحدثين، وتتساكنان لفتراتٍ طويلة، وتكون إحداهما أكثر تفوقاً من الأخرى، من حيث المكانة الدينية أو الحضارية أو الثقافية، وهذه الأسباب هي باختصار: الحاجة، والمكانة، والنزعة إلى التفوق، والإعجاب باللفظ الأجنبي. أ
نّ الحقول الدلالية للألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو متنوعة، وتأتي بنسبٍ متفاوتة، لعلّ أههما: ألفاظ الدين الإسلامي، وألفاظ التجارة، وألفاظ أيام الأسبوع والشهور العربية. أنّ حقل ألفاظ الدين الإسلامي أكثر الحقول الدلالية حظوةً بالألفاظ العربية المقترضة في لغة الأورومو، وهذا يتوافق مع ارتباط تاريخ اللغة العربية بانتشار الإسلام في إثيوبيا عموماً، وفي أوروميا خصوصاً، كما يؤكد أنّ الإسلام هو حجر الزاوية للعلاقة بين اللغتَيْن.
نائب عميد الدراسات العليا / جامعة إفريقيا العالمية – السودان. ،
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه التسمية جاءت نسبة لنهر أومو في إثيوبيا.