استراتيجيات تعلم اللغة الثانية

من الوهلة الأولى يشعر القارئ أن كلمة استراتيجيات كلمة أجنبية، وليست عربية، وهي مستعملة كثيراً اليوم في وسائل الإعلام، فما معناها؟ وما علاقتها بالتعلم؟ كلمة استراتيجيا بمعناها العام تعني فن القيادة في الحرب العسكرية، أو فن إدارة الحرب، وهي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية (اليونانية) "Strategia" (. (

المؤلف: أحمدبن صالح الصبيحي المصدر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التاريخ : 07/04/2020 المشاهدات : 276

المحتوى

أولاً :تعريف استراتيجيات تعلم اللغة:

من الوهلة الأولى يشعر القارئ أن كلمة استراتيجيات كلمة أجنبية، وليست عربية، وهي مستعملة كثيراً اليوم في وسائل الإعلام، فما معناها؟ وما علاقتها بالتعلم؟

كلمة استراتيجيا بمعناها العام تعني فن القيادة في الحرب العسكرية، أو فن إدارة الحرب، وهي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية (اليونانية) "Strategia" (.

إن فن القيادة لم يعد مقتصراً على الحرب فقط، بل تعدى ذلك إلى الميدان التربوي، بحيث يوجه الإنسان كل وسائله وطاقاته للظفر بالمعلومة والاستفادة منها، ومثل هذا الأمر يتطلب كما تتطلب الحرب إدارة واعية يستطيع من خلالها التخطيط واستعمال الوسائل الممكنة المؤدية إلى تحقيق الهدف. "إن مفهوم استراتيجية أصبح مستخدماً في مجال التربية بعد استبعاد محظوراته العدوانية والتنافسية، وأصبح له معنى تربوي وتحول إلى استراتيجيات التعلم"(.

وتعرف الاستراتيجية عموماً "بأنها فن استخدام الإمكانات والوسائل المتاحة بطريقة مثلى لتحقيق الأهداف المرجوة على أفضل وجه ممكن، أو هي طرق معينة لمعالجة مشكلة أو مباشرة مهمة ما، أو أساليب عملية لتحقيق هدف معين".([3])

 

    ثانياً:خلفية تاريخية:

منذ القدم والإنسان في بحث دائم عن المعرفة وسبل تحصيلها، واستعمالها، وكيفية الاحتفاظ بها واسترجاعها، إلى أن توصل حديثاً إلى استراتيجيات التعلم.

فالاستراتيجيات ليست كشفاً حديثاً محضاً، بل سبقته إرهاصات منذ آلاف السنين، وكانت تستخدم بالفعل عبر الأزمان الغابرة، ومن ذلك مثلاً ما كان يطلق عليها حيل الاستذكار (Mnemonic Devices) أو حيل الذاكرة (Memory Devices) التي كان يستخدمها رواة القصص في العصور القديمة لكي يتذكروا أدوارهم التمثيلية().

بل إن القارئ لما بين السطور في تراثنا العربي والإسلامي يكتشف بجلاء، ودون عناء الملامح الرئيسة للاستراتيجيات، فما المختصرات في الحقيقة إلا نتاج استراتيجيات معرفية ينتهجها المؤلف، وكذلك ينطبق هذا القول على المنظومات التي يمكن أن نزعم أنها تضم الاستراتيجيات الرئيسية كلها:

أ) المعرفية: بترتيب واختصار المعلومات.

ب) التذكرية: بسهولة حفظ المنظومة واسترجاعها.

جـ) فوق المعرفية: لسهولة المنظومة وإيقاعها الموسيقي المحبب للنفوس.

وغير بعيد أيضاً ما ذكره العلماء عن أنجح السبل لحفظ القرآن ومراجعته، وهناك أيضاً الكتب المختلفة التي تناولت الآيات المتشابهة في القرآن الكريم والطرق المستخدمة لحفظها وعدم الخلط بينها. وقد توصل السابقون إلى آليات سهلة للتمكن من الجمع بين القواعد الكثيرة كما نرى في أحرف المضارعة مجموعة في قولك "أنيت"، وتفنن علماء التجويد خاصة في اختراع مثل هذه العبارات السهلة الممتعة المقيدة لكثير من القضايا الملتبسة.

ويعد كتاب ابن جماعة الكناني في أدب العالم والمتعلم خير مثال على إدراك علمائنا لكثير من الاستراتيجيات بمعناها الحديث حيث يقول -رحمه الله- "وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الإبكار، وللكتابة وسط النهار، والمطالعة والمذاكرة الليل... وأجود أماكن الحفظ الغرف، وكل موضع بعيد عن الملهيات"(). فالعناية بالمتعلم عنصر أصيل في تراثنا وهو -في ظن الباحث- لم يأخذ حقه بعد من التحقيق والدراسة.

والاستراتيجيات أساس تربوي مفيد استعمله الطلاب في مختلف العصور بوعي أو بغير وعي، ومع التراكم المستمر للمعلومات في العصر الحديث، أصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً اليوم لجعل الاستذكار متعة تجلب المزيد من المعرفة بأساليب مشوقة، وتحت مسميات متعددة مثل مهارات التعلم  أو مهارات الدراسة ومهارات تعلم كيف تتعلم (). ومهارات التفكير واستراتيجيات التفصيل المعرفي "Cognitive elaboration strategies"، واستراتيجيات تقوية الذاكرة "Mnemonic" والتكتيكات، والأساليب، والخطط الواعية، والقدرات المعرفية، واستراتيجيات العمليات، وإجراءات حل المشكلات، والمهارات الأساسية (). وغير ذلك من المسميات التي تعني في نهاية الأمر استراتيجيات التعلم التي ظهر مفهومها في نهاية السبعينات حينما وجهت جوان روبن Rubin البحث التربوي نحو دراسة استراتيجيات تعلم اللغة. وذلك في مقالاتها حول المتعلم الجيد للغة، وقدمت روبن سبع سمات كوصف لمتعلم اللغة الجيد:

1- مستعد للقيام بعمليات التخمين ودقيق في ذلك.

2- لديه رغبة شديدة في الاتصال.

3- لا يتملكه الإحباط.

4- يهتم بالشكل.

5- يجري التمارين بصفة مستمرة، ويبحث عن فرص الحديث.

6- يراقب حديثه وحديث الآخرين.

7- يهتم بالمعنى.

وأشارت إلى أن المتعلم الجيد للغة يميل إلى استعمال استراتيجيات بعينها تساعده على استعمال اللغة بنجاح، وتطرقت روبن إلى أهمية حصر هذه الاستراتيجيات وتقديمها لكافة المتعلمين، وتدريبهم عليها وذلك لمساعدتهم على تعلم اللغة بنجاح وفاعلية أكبر (). خاصة بعد تغيير التركيز من المنحى السلوكي في فهم سلوك وتعلم الفرد إلى المنحى المعرفي الذي ركز على فهم الطرائق والأساليب التي يعالج فيها الطلبة المعارف والخبرات الجديدة، وتنظيمها وخزنها واستعادتها().

ولعل تشكل مصطلح استراتيجيات تعلم اللغة كان ثمرة تظافر  عدة أمور، ومنها:

1- اهتمام الباحثين والدارسين في مجال التربية، فقاموا بإجراء العديد من الدراسات والبحوث التي تبحث في كيفية التعلم "تعلم كيف تتعلم".

2- ازدياد دراسات استراتيجيات التعلم في السبعينات لدى متعلمي اللغة الثانية، والأبحاث حول طبيعة اكتسابها.

3- أثر كل تلك الدراسات والذي تجلي في منتصف السبعينات بتحديد العديد من استراتيجيات التعلم.

4- جهود جموع المدرسين الخصوصيين الذي برعوا في اكتشاف استراتيجيات تعلم المادة التي يدرسونها، حيث أصحبت مهمة المدرس الخصوصي تقديم المعلومة وشرحها بصورة ممتعة وشيقة يمكن للطلاب من خلالها فهمها واستدعاؤها دون كبير عناء.

5- توجه الدراسات والأبحاث للاهتمام بالفروق والسمات الشخصية للدارسين، وبالدافعية، وأسلوب التعلم، وأخيراً استراتيجيات تعلم اللغة Language Learning Strategies التي قادت إلى الكشف عن السمات (الاستراتيجيات) التي يتميز بها متعلمو اللغة الناجحون.

ويمكن أن نعيد قراءة تاريخ الاستراتيجيات وتطورها عبر تصورها من خلال ثلاث مراحل():

1- المرحلة الأولى: خلال السبعينات، وفيها ركزت البحوث على الجوانب النظرية المتعلقة بأساليب التعلم، واستراتيجيات التعلم.

2- المرحلة الثانية: خلال الثمانينات، اتسع فيها البحث في أساليب التعلم واستراتيجيات التعلم بهدف تأصيل النظريات، والتوسع في الجوانب التطبيقية، وتأصيل المصطلحات وتحديدها.

3- المرحلة الثالثة: خلال التسعينات، وفيها تواصلت البحوث والدراسات بصورة مكثفة حول خصائص الدارس وأساليبه واستراتيجياته في التعلم مع تخصيص الاهتمام بصفوف تدريس اللغة، وتدريب الدارسين، والاهتمام بوعي المدرسين باستراتيجيات التعلم.

ثالثا:أهمية استراتيجيات تعلم اللغة الثانية:

لقد كان اكتشاف استراتيجيات التعلم منعطفاً مهماً في ميدان التعليم عامة، وفي ميدان تعلم وتعليم اللغات خاصة؛ فبعد هذه التجارب الطويلة في تعلم وتعليم اللغات اقتنع الباحثون والمعلمون بعدم وجود حلول جازمة أو طريقة واحدة بعينها تضمن الاكتساب اللغوي أو تتنبأ بنجاح تدريس اللغة الثانية. ونحن نرى أن بعض متعلمي اللغة الثانية يحققون نتائج باهرة على الرغم من الاختلاف في طرق وأساليب التعليم، وقد أشارت وندن إلى أهمية التعرف على استراتيجيات التعلم لدى متعلمي اللغة الثانية، "وأكدت أن معرفة الاستراتيجيات المفضلة أو الصالحة للمتعلم هي بمثابة المفتاح لاستقلاله واعتماده على ذاته"().

بخلاف الأسلوب التقليدي الذي يحتكر فيه المعلم كل الأدوار تقريباً من خلال التكرار لمحتوى الدرس والتوجيهات، وطرح أسئلة تعتمد على الحفظ، والمشاركة السطحية. فالعملية الأساسية في النظام المعرفي للتعليم التقليدي هي تحويل المعلومات من أدمغة المعلمين وإيداعها أدمغة المتعلمين،ونتج عن هذا الأسلوب مجموعة من الممارسات والاتجاهات التدريسية يصفها الدكتور محمود السيد أنها نظام للتأنيس والترويض يعكس الطبيعة القهرية للمجتمع كله. ومن أمثلة هذه الممارسات:

1- يدرس المعلم ويلقن التلاميذ.

2- يعلم المعلم كل شيء، على حين يجهل التلاميذ كل شيء.

3- يفكر المعلم بينما التلاميذ يفكر لهم.

4- يتحدث المعلم بينما يصغي الطلاب بخضوع.

5- المعلم يضبط النظام، وعلى التلاميذ أن يمتثلوا للنظام.

6- المعلم هو موضوع العملية التعليمية بينما التلاميذ هم مجرد أشياء. ()

أما في التعليم الاستراتيجي فالأمر مختلف تماماً، إذ إنه يحث على استعمال مجموعة من المهارات العقلية في تعلم كيفية التعلم، والتفكير في كيفية التفكير حيث يتطلب هذا الأمر من التلميذ أن يذهب فيما وراء المعرفة Metacognition لكي يتدرب على الكيفية التي ينجز بها النشاط، ويتدرب على المهارات والعمليات والإجراءات اللازمة لتنفيذ مهام التعلم. "فبدلاً من اعتبار الطلبة أدوات تسجيل سلبية للمثيرات التي يفرضها المدرس لجعل العملية فاعلة، أصبح الاهتمام منصباً على ما يدور داخل المتعلم، وللمعلم القدرة على التدخل فيها وتعديلها"().

ويشير جلوفر وبراوننج (Glover.J & Bruning) إلى أن استعمال القدرات العقلية يرتبط بقدرات ما وراء المعرفة، وعندما يكون هناك مجموعة من الطلاب الجيدين في مهارة القراءة فإنهم بالمقابل يمتلكون مهارات ما وراء معرفية، ويدركون الصعوبات التي تواجههم؛ لذلك يحاولون البحث عن حلول لها، وأخذ ملاحظات عن المواقف المعقدة في القراءة، بينما نجد الطلاب الذين يعانون صعوبات في القراءة في الغالب يكونون غير واعين بالأساليب، والاستراتيجيات الخاصة بالقراءة، وربما اتبعوا المنوال نفسه في مواد كثيرة (). كما تشير البحوث إلى وجود علاقة إيجابية بين التفوق في تعلم اللغة وبين استخدام استراتيجيات التعلم؛ فمتعلمو اللغة الجيدون يستخدمون الاستراتيجيات المناسبة لمستواهم الدراسي، ولشخصياتهم، ولأعمارهم، ولهدفهم من تعلم اللغة، بل وحسب جنس الدارس ونمط اللغة المدروسة() .

     كما تبين أن متعلمي اللغة الجيدين يستخدمون مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات()، والطلاب الذين يستعملون استراتيجيات تعلم اللغة يتلقون المعلومات بشكل أفضل ووقت أقصر، وجهد أقل، بل إن الدكتور محمد دعدور يرجع سبب إقبال الطلاب وأهاليهم على الدروس الخصوصية إلى براعة كثير من المدرسين الخصوصين في اكتشاف استراتيجيات تعلم المادة العلمية التي يدرسونها، حيث يقدمون المادة العلمية مصحوبة باستراتيجيات تعلمها، وأصبحت مهمة المدرس الخصوصي -كما يقول- تقديم المعلومة وشرحها في شكل "تعلم كيف تتعلم"، أو تحفظ بطريقة يمكن تخزينها واستدعاؤها. ويرى الدكتور دعدور أن نشر مفهوم استراتيجيات التعلم وأنواعها بين الطلاب وأولياء أمورهم وتدريبهم عليها أحد الحلول الفاعلة لإعادة المتعلم لمكانه الطبيعي أمام مكتبه ليتعلم بنفسه دون أن ينتظر المساعدة الخارجية المكلفة مادياً، والمضللة علمياً. () ولأهمية الاستراتيجيات في تعلم اللغة فقد بالغ بعض العلماء في الاحتفاء بها، حتى إنهم اختزلوا عملية التعلم واكتساب اللغة في الاستراتيجيات كما يظهر هذا في قول روبن وستيرن "إن النجاح في اللغة ليس سوى قضية تتعلق بالسمات الشخصية والأساليب والاستراتيجيات"().

وهذا -في ظني- اختزال غير مقبول، لأن عملية التعلم أكبر وأعمق من أن تختزل في منهج أو طريقة، وما الاستراتيجيات -على أهميتها- إلا جزء مهم من عملية التعلم والاكتساب اللغوي؛ لذا ينبغي أن تنطلق الحلول والأبحاث لعملية التعلم والاكتساب من نظرة شمولية عامة تتسع للجميع، في بحث دؤوب لا يدعي احتكار الحقيقة، "ولو اكتشفنا عاملاً واحدا لتصنيف المتعلمين إلى ناجح وغير ناجح لهان الأمر ولاستطعنا طبع المتعلم في اتجاه واحد، لتحقيق النجاح، ولكن الأمر غير ذلك ولا نعرف على وجه التحديد حتى الآن ما صفات المتعلم الجيد أو الناجح للغة، وبناء على ذلك يجب على المعلم أن يفهم هذه الصورة المعقدة للوضع ويدرك هذه المجموعات الكبيرة من العوامل المعرفية وغير المعرفية الداخلة في عملية اللغة الثانية"().

وهذا لا يعني بحال التقليل من أهمية استراتيجيات التعلم، بل هو في الواقع تأكيد على أهميتها؛ حيث سلطت الضوء على أحد العوامل المهمة التي تجعل بعض الطلاب يتعلمون ويتفوقون على زملائهم ، بالرغم من تشابه الظروف المختلفة المحيطة بهم! فالتمكن من الاستراتيجيات يجعل الطلاب يديرون مطالبهم الدراسية بصورة أفضل، ويسلحهم بأدوات الدراسة واستراتيجياتها، لأن كثيراً من الطلاب قادرون على النجاح، ونحن قادرون على معاونتهم في إزالة الإحباطات التي يعانون منها ويعاني منها المدرسون، والاستراتيجيات تعلم تطبيقي، وكثير من الطلاب يمكن أن يدرسوها ليستعملوها، والمدرسة لا يمكن أن تدرس الطلاب كل شيء يحتاجون إلى معرفته في حياتهم، لكن المدرسة تستطيع أن تمدهم بدلاً من ذلك بالاستراتيجيات التي يحتاجونها ليستمروا طوال حياتهم في تنمية عقولهم. بل إن براون تنبأ بأن المستقبل سيكون لاستراتيجيات التعلم، "ولا شك أننا نستفيد كثيراً من اكتشاف استراتيجيات التعلم المثلى الخاصة بالاكتساب الناجح للغة الثانية، وسيكون هذا من المجالات المثيرة للبحث العلمي حاضراً ومستقبلاً " () لأن كل استراتيجيات تعلم اللغة موجهة -في الحقيقة- نحو الهدف الأسمى وهو الكفاءة الاتصالية، وهذا الأمر يتطلب تفاعلاً وتواصلاً بين المتعلمين باستعمال اللغة في سياق يشعر فيه المتعلم أنه جزء من الواقع يعمل فيه ويؤثر ويتأثر وليس شيئاً كبقية الأشياء.

رابعاً:تصنيف استراتيجيات تعلم اللغة الثانية:

استراتيجيات تعلم اللغة خطوات وطرق متعددة ومتنوعة يسلكها المتعلم، ليتجاوز مشكلة في التعلم، وهذه الاستراتيجيات على تنوعها تنتظم المهارات اللغوية الأربع، فمنها ما يختص بمهارة الاستماع، ومنها ما يختص بمهارة الكلام،و منها ما يختص بمهارة القراءة، ومنها ما يختص بمهارة الكتابة.

فما استراتيجيات كل مهارة من المهارات الأربع؟ وهل كل مهارة تختص باستراتيجيات معينة لا تشترك معها غيرها؟ وكيف يتم تحديد هذه الاستراتيجيات المتنوعة؟ وعلى أي أساس يمكن أن تصنف؟ ولعل هذا السؤال الأخير هو سر تعدد تصنيفات استراتيجيات تعلم اللغة، خاصة مع اعتقادنا بأن استراتيجيات تعلم اللغة ما زالت نبتاً طرياً، ولم يزل العلماء يواصلون جهودهم بغية وضع حدود فاصلة لهذا النبت الجديد، وكما بدا هذا واضحاً في محاولتهم لتعريف استراتيجيات التعلم؛ فإنه يبدو أكثر وضوحاً في اختلاف تصنيفاتهم لاستراتيجيات تعلم اللغة كما ستظهر لنا في التصنيفات التالية:

1-تصنيف أوميلي وزملاؤه (1985م):

صنف أوميلي استراتيجيات التعلم إلى ثلاث فئات رئيسة:

أ- استراتيجيات ما وراء المجال المعرفي، وتشمل:

1- التنظيم المسبق، 2- الانتباه الموجه، 3- الانتباه الانتقائي، 4- إدارة الذات، 5- التخطيط الوظيفي، 6- المراقبة الذاتية، 7- تأخير الإنتاج، 8- التقويم الذاتي.

ب- الاستراتيجية المعرفية، وتشمل:

1- التكرار، 2- المرجعية، 3- الترجمة، 4 التجميع، 5- كتابة الملاحظات، 6- الاستنتاج، 7- إعادة التجميع، 8- التخيل، 9- التمثيل السمعي، 10- الكلمة الرئيسة.

جـ- الاستراتيجيات الانفعالية(الوجدانية) الاجتماعية، وتشمل:

التعاون؛ السؤال أو الاستيضاح.([21])

2-تصنيف دانسيرو(1985م):

صنف دانسيرو الاستراتيجيات إلى قسمين رئيسين:

أ- استراتيجيات التعلم الأولية، وهي الاستراتيجيات التي تستخدم مع النص مباشرة، وتتضمن الفهم، والاحتفاظ، والاسترجاع، والاستخدام.

ب- استراتيجيات التعلم الداعمة، وهي الاستراتيجيات التي يستخدمها المتعلم للوصول إلى حالة مزاجية مناسبة للتعلم، والحفاظ عليها،وتتضمن استراتيجيات التخطيط والجدولة، بحيث يستخدم المتعلم استراتيجيات تحديد الأهداف العاجلة والآجلة لتعلم المهام، وجدولة الوقت، والتقويم، ومراقبة مدى التقدم الذي يحدث في تحقيق الأهداف مع الاهتمام بالعوامل التي تساعد المتعلم في الوصول إلى حالة نفسية تؤهله للتعلم مثل الأنشطة الترويحية الرياضية، أو أخذ راحة أثناء الدراسة، واستبعاد المشتتات وغير ذلك ([22]).

3-تصنيف بران(1985م):

 صنف براون استراتيجيات تعلم اللغة إلى نمطين رئيسين:

أ- استراتيجيات التعلم، وفيها يشير إلى المدخلات التي بواسطتها يتمكن المتعلم من تخزين المعلومات.

ب- استراتيجيات الاتصال، وفيها يشير إلى المخرجات التي يعبر بها المتعلم عن الخزينة اللغوية المتوفرة لديه.([23])

 

4- تصنيف أكسفورد(1990م):

وهو أهم التصنيفات وأشهرها وأكثرها شمولية؛ حيث صنفت استراتيجيات تعلم اللغة إلى مجموعتين رئيستين:

أ- استراتيجيات مباشرة، وتضم ثلاث مجموعات:

1- استراتيجيات تذكرية، 2- استراتيجيات تعويضية، 3- استراتيجيات معرفية.

ب- استراتيجيات غير مباشرة، وتضم ثلاث مجموعات:

1- استراتيجيات فوق معرفية، 2- استراتيجيات وجدانية، 3- استراتيجيات اجتماعية.

بالإضافة إلى تسع عشرة مجموعة فرعية تتضمن هذه الاستراتيجيات، فالاستراتيجيات التذكرية المباشرة تشمل:

1- عمل روابط ذهنية؛ مثل التصنيف في مجموعات،و استعمال الكلمات الجديدة في نصوص0

2- استخدام الصور والأصوات؛ مثل استغلال الأصوات الموجودة بالذاكرةواستعمال كلمات مفتاحية   

3-المراجعةالجيدة0 4- القيام بأداء حركي؛ مثل تمثيل المعنى باستعمال أساليب حركية 0  

والاستراتيجيات المعرفية المباشرة تشمل:

1- الممارسة؛مثل التكرار والتدرب على النظام الصوتي والكتابي والممارسة الطبيعية0

2- استقبال وإرسال المعلومات؛ مثل المعرفة الخاطفة للفكرة واستعمال المصادر0

3-التحليل والاستدلال؛ مثل الترجمة والاستنباط وتحليل المصطلحات0      4- تنسيق المدخلات والمخرجات؛ مثل التلخيص وتدوين الملاحظات والتركيز على الأجزاء الهامة.

والاستراتيجيات التعويضية المباشرة تشمل:

1- التخمين الذكي؛ مثل استعمال التلميحات اللغوية وغير اللغوية0            

2- التغلب على القصور في الكلام والكتابة؛ مثل طلب المساعدة، والارتداد للغة الأم، واختيار الموضوع، والتجنب الكلي، أو الجزئي للاتصال، واستعمال الوصف والمرادفات.

أما الاستراتيجيات فوق المعرفية غير المباشرة فتشمل:

1- تركيز عملية التعلم؛ مثل تركيز الانتباه والاهتمام بالاستماع أكثر من الكلام0 2- التنظيم والتخطيط للتعلم؛ مثل التنظيم وفهم عملية تعلم اللغة وتحديد الأهداف والبحث عن فرص للممارسة العملية.

3- تقويم التعلم؛ بالمراقبة الذاتية والتقويم الذاتي.    

والاستراتيجيات الوجدانية غير المباشرة تتضمن:

1- خفض مستوى القلق ؛مثل الاستفادةمن الفكاهة والاسترخاء.

2- تشجيع الذات؛ مثل ذكر العبارات التشجيعيةوالمخاطرة بحذر.

3- تحديد المستوى الانفعالي؛ مثل مناقشة المشاعر مع شخص آخر وكتابة يوميات لتعلم اللغة.

والاستراتيجيات الاجتماعية غير المباشرة تضم:

1- طرح الأسئلة؛مثل طلب التوضيح أوالتصحيح0

2- التعاون مع الآخرين؛ مثل التعاون مع الزملاء والتعاون مع ناطقين أكفاء للغة0

3- التعاطف مع الآخرين؛ مثل الفهم الثقافي ومراعاة أفكار ومشاعر الآخرين.()

5-تصنيف العبدان(1998م):

صنف العبدان استراتيجيات تعلم اللغة إلى ثلاثة أقسام:    

أ- استراتيجيات التعلم (المدخلات)، وهي كما قدمنا، خطوات واعية يستعملها المتعلم لكي تعينه على اكتساب المعلومات الجديدة وتخزينها والاحتفاظ بها واسترجاعها.

ب- استراتيجيات التواصل، وهي خطط واعية يرسمها المتعلم لكي يتغلب على مشاكل في الاتصال، مثل التجنب والتعويض.

جـ- استراتيجيات الإنتاج(المخرجات)، وهي التي تستخدم عندما يحاول المتعلم استعمال معرفته اللغوية في الاتصال، مثل الصيغ الجاهزة وتخطيط الخطاب.()

6- تصنيف دعدور(2002م) :

صنف دعدور الاستراتيجيات إلى ثلاثةأقسام: فكان تصنيفه ثلاثياً وهو كما يلي:

أ- استراتيجيات التعلم، وهي عند دعدور تُعنى بالعمليات التالية:

1- التركيز على المعلومات الجديدة، 2- تحليل المعلومات الجديدة، 3- تصنيف المعلومات، 4- تنظيم المعلومات وربط الجديد بالقديم، 5- حفظ المعلومات، 6- مراقبة الذات أثناء التفاعل مع المدخلات، 7- تقويم التعليم بعد الانتهاء من التفاعل مع المدخلات، 8- تشجيع الذات طوال عمليات التفاعل مع المدخلات، 9- القيام بالتغذية الراجعة بعد الانتهاء من التفاعل مع المدخلات.

ب- استراتيجيات الاتصال (أو التواصل)، مثل، 1- التخمين، 2- الالتزام بنموذج معين. 3- الفبركة، 4- التعميم، 5- التفصيل الزائد، 6- التجنب، 7- ترتيب الأفكار، 8- كتابة المسودة، 9- وضع الخطوط تحت الأفكار الرئيسة، 10- طلب المساعدة، 11- تبسيط اللغة، 12- سد الفراغات.


([21]) انظر، براون، دوجلاس، (مبادئ تعلم وتعليم اللغة)، مرجع سابق، ص163.

([22]) انظر: العسيري، محمد علي، (استراتيجيات التعلم المنظم ذاتياً، وعلاقاتها ببعض متغيرات الشخصية)، مرجع سابق، ص38 .

([23]) انظر، براون، دوجلاس، (مبادئ تعلم وتعليم اللغة) مرجع سابق، ص161.

([24]) انظر، أكسفورد، ربيكا، (استراتيجيات تعلم اللغة)، مرجع سابق، ص30-35.

([25]) انظر العبدان، عبد الرحمن، (تأثير الأسلوب المعرفي المستقل - المعتمد في استخدام استراتيجيات تعلم اللغة الثانية)، مكتب التربية لدول الخليج، مجلة رسالة الخليج  العربي، ع48، 1414هـ ،ص132.

([26]) انظر: دعدور، محمد، (استراتيجيات تعلم اللغة)، مرجع سابق، ص64-85.

التعليقات