اللغة العربية أيام المماليك والعثمانين إلى سنة 1220 هجرية

اللغة العربية أيام المماليك والعثمانين إلى سنة 1220هجرية

المؤلف: internet polyglot المصدر: internetpolyglot.com التاريخ : 14/01/2020 المشاهدات : 270

المحتوى

في سنة 556هـ (1258م) انقض التتار على بغداد وخربوها واحرقوا عددا كبيرا من الكتب العربية وقتلوا المستعصم آخر الملوك العباسيين، وضعف بذلك شان اللغة العربية، إلا أن الدولة في مصر كانت بيد المماليك ولم تكن لهم لغة خاصة يقاومون بها اللغة العربية لذلك بقيت بعض الحركات العلمية باللغة العربية في مصر والشام والمغرب والأندلس، ومع ذلك فقد ضعف شان العرب لتجزئتهم وتفرقتهم واستيلاء الترك على كثير من دول الشرق وجعل اللغة التركية هي اللغة الرسمية في الدولة التابعة لها، وتبع هذا الضعف انحلال في الاتجاه الفكري العربي وفي الأسلوب الأدبي وغلب على التأليف مظاهر من السجع المكلف والاعتناء بالجناس والطباق والمحسنات اللفظية، إلا ما شد من بعض البلدان حثيث ظهر فيها بعض المؤلفين الأفذاذ كابن خلدون بتونس والسيوطي بمصر، ولم يبق اعتناء الشعب باللغة لأنها لم تبق موصلة إلى كراسي الحكم بل ضعف شان العلم نفسه لان كثيرا من المناصب القضائية أصبحت تورث ولو من أب عالم إلى ابن جاهل وهكذا نعتبر هذا العصر هو عصر الانحطاط اللغوي ولا نطيل فيه الحديث فلننتقل منه إلى عصر النهضة.

 

عصر النهضة 1220هـ:

لا تعيش اللغات إلا بإحياء ذويها، ونحن نرى أن اللغة العربية قد ضعفت لما استولى التركيون على الحكم في الشرق وكذلك لما عمل الاسبانيون على إرجاع الأندلس من المسلمين، وإما في المغرب فقد ضعفت أيضا نظرا لان الاتجاه العلمي في المغرب حينذاك إنما كان يقوم على رد كل عدوان سواء عن طريق الغرب أو الشرق، وبقي المغرب محافظا على عروبته ولم يستطع العثمانيون الأتراك أن يحتلوه رغم ما كانوا يقومون به من مناورات، ومن يدرس تاريخ الدولة السعدية يعرف ما كان يقوم به المغرب من الأعمال لحفظ حريته وعروبته سواء من غزو البرتغاليين والاسبانيين أو من جشع التركيين.

ولكن لا نستطيع أن نتغافل عن الوعي العربي الذي انتشر في الأمم العربي في أوائل القرن الماضي وعن التفكير الذي أصبح يسود العرب لرد مجدهم وقد انتبهوا لذلك يوم غزا نابليون بونابرت مصر فادخل المطبعة إليها وفتح المدارس ونظم المصانع، فلما أخرجه المصريون واستولى محمد علي على الحكم أراد أن يأخذ النظم الأوربية وان يجعلها أساسا لدولته، لذلك رأى انه لا يمكن أن ينجح إلا إذا عمل على إحياء اللغة العربية وعلى ترجمة العلوم من اللغات الأوربية وبذلك ابتدأت الحركة العلمية من جديد وأصبحنا نأخذ ما كنا قد أعطيناه وأرسل البعثات إلى أوربا، كما قامت حركة أخرى ببلادنا تعهدها المولى الحسن العلوي واسل بعثات إلى أوربا أيضا ونهضت حركة التعليم بلبنان وقام الشيوعيون بدور فعال في إحياء اللغة من جديد.

عمل هؤلاء جميعا على إحياء اللغة العربية وإحياء العلوم واقتباس ما عند الإفرنج وقامت جامعة الأزهر في مصر، وجامعة الزيتونة في تونس، وجامعة القرويين بفاس بأعظم الأثر في حفظ اللغة خصوصا عندما أصبح الأوربية عازمين على غزو هذا الوعي العربي متفقين على تجزئة العرب واحتلالهم والقضاء على معنوياتهم واستغلال أرضهم وعقولهم، فاستعمروا أرضنا واستعمروا أرواحنا بما كانوا ينفثونه من أفكار فتاكة تقضي على تراثنا وتنسينا تاريخنا، وعملوا جهد مستطاعهم على إماتة لغتنا ونعتوها باللغة الميتة ولكننا حينما شعرنا بان اللغة لا تموت إلا إذا مات أهلها، قام العرب في كل أنحاء العالم يعملون على تهذيب لغتهم واجتهدوا في تطعيمها وتقليمها حتى تصبح صالحة للتقدم العلمي الجديد وقامت حركة مباركة في القرن الماضي وما زالت تؤتي أكلها إلى الآن.

ابتدأت حركة النقل في مصر النهضة بمدرسة الترجمة التي كان يرأسها في مصر الأستاذ رفاعة الطهطاوي وهو الأستاذ الفذ الذي اخذ ثقافته في جامعة الأزهر، ثم أرسل أماما لبعثة علمية إلى فرنسا فاستهوته اللغة الفرنسية فدرسها، ولما رجع إلى مصر أصبح مدير مدرسة أبي زعبل للترجمة وكانت تضم مائتين وخمسين تلميذا من بينهم علي مبارك الذي اختص في الهندسة وعمل على نقل كثير من الكتب العلمية من اللغات الأجنبية، وهو الذي أعطى الأمر لما كان وزير التعليم بمصر على نقل جل الكتب التي تعترف للعرب بقيمتهم ومنها كتاب خلاصة تاريخ العرب لسيديو الذي أخذنا بعض فقراته حين التكلم على اللغة العربية أيام العباسيين، ومن أعماله العظيمة إنشاء دار الكتب، وإنشاء مدرسة دار العلوم وفق فيها بين طلبة العلم القديم وطلبة العلم الحديث، توفى سنة 1311هـ.

ومن الله على اللغة العربية حين بعث في القرن الماضي الإمام محمد عبده فأحياها من الاندثار وعهد إليه بتدريسها في دار العلوم، فكان خير أستاذ استطاع أن يدل التلاميذ على مكنون اللغة وجواهرها وعلى قدرتها على التعبير عن جل المعاني، إلا انه لاحظ أن بعض الكتب التي ترجمت فيها نوع من الركاكة والعجز عن التعبير عن بعض المصطلحات العلمية الحديثة، لذلك اتفق مع بعض أصدقائه على إيجاد مجمع لغوي يحددون فيه الكلمات العربية المناسبة لتلك المصطلحات، ولكن هذا العمل لم يتم نظرا لكثرة الحوادث السياسية التي كانت تحيط بالدولة المصرية والتي شغلت هؤلاء العلماء، ولكن الفكرة لم يقض عليها بل استمرت في النفوس إلى أن وجدت من الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله رجلا قوي العزيمة والإيمان فاتفق مع جماعة من أصدقائه وأسسوا المجمع اللغوي العربي سنة 1920 بدمشق، وسار على نهجه مجمع آخر تأسس بالقاهرة سنة 1934، ولقد عمل هذان المجمعان ما في استطاعتهما لنقل كثير من المصطلحات العلمية، وتأسست بعض المجامع في بغداد وغيرها، وفي السنة الماضية تأسس مجمع لغوي بالرباط وسيتعاون هؤلاء جميعا على تعزيز جانب اللغة العربية في العصر الحديث.

وما مؤتمر اللغة العربية الذي انعقد بالمغرب إلا دليل على اهتمام العرب بمستقبل لغتهم.

ولم يعد الآن شك في اعتبار اللغة العربية لغة حية وان اعتراف هيئة الاونيسكو بها لأكبر دليل على ذلك فقد طبعت لأول مرة مجلتها (البريد) بلغتنا وذلك بتاريخ 16 ديسمبر 1960 ولقد خصصت اعتمادا كبيرا للتعريف بالأدب العربي وعلوم العرب إلى العالم كله.

انه من العار أن تعترف هيئة دولية بلغتنا في الوقت الذي ما زال فيه بعض الشباب العربي لا يومن بها ولا يعمل على نشرها بكل الوسائل، أن قوميتنا لا تثبت إلا على أساس اللغة العربية وذلك لان تراثنا لا يتجلى للعيان إلا بواسطتها فلنقتد بتاريخنا، ولنعمل على تحقيق مجدنا، ولنقبل بكل قوانا على التعريب والاستفادة من الانطلاقة الأدبية الشعبية ومن الاتجاه العلمي المنظم الذي تنشره مجامعنا.

إننا إذا رددنا بان اللغة العربية ضعيفة أو بان فكرنا ضعيف فإنما ذلك اعتراف لما يردده أعداؤنا يجب أن نتحداهم، وان نجعل لغتنا لغة العلم كما كانت من قبل فإذا ما قلنا في المغرب أن التعريب لا يمكن نظرا لعدم وجود الأساتذة باللغة العربية وانتظرنا حتى يجدوا، وآمنا بان هاته العلوم يجب أن تدرس بلغة أجنبية فلا شك أن الذين سيوجدون سيكونون جاهلين باللغة العربية أيضا، فإذا أردنا أن نعرب التعليم بعد عشر سنوات فسيقول الآخرون: أن التعريب لا يمكن نظرا لعدم وجود الأساتذة باللغة العربية ولننظر حتى يوجدوا وهكذا تستمر العلة ويستمر التعليم بلغة غير لغتنا.

نحن لا ننكر فضل اللغات الأخرى على العالم وعلينا أيضا ولكننا ننكر أن ننسى لغتنا وحضارتنا وتاريخنا ونتصل بلغة أخرى فنطلع بواسطتها على حضارة الأوربيين وعلومهم فنعظمهم ونستصغر تراثنا وعروبتنا، ونحن لا ندعي أن اللغة العربية أصبحت الآن في طور الكمال لان هذا الاعتبار سيعد من خطل القول، ولكننا نريد أن نقول أن اللغة التي استطاعت أن تنهض أيام العباسيين وان تسع حضارة اليونان، تستطيع الآن إذا ما توحدت جهود العرب أن تساير الركب وان تكون في مقدمته.

لذلك يجب ان نضع انفسنا امام الامر الواقع وان نعلن تعريب التعليم وبذلك سنضطر إلى ايجاد ما عجزنا عليه، لان الحاجة دائما هي التي تدعو إلى الاكتشاف والاستنباط سواء في حاجيات الإنسان الضرورية أو في التعبير عن مفاهيمها بعد اكتشافها، ونحن نرى أن كثيرا من اختراعات الحديثة قد وجدت من العرب عند إرادة التعبير انطلاقا من ألسنتهم وفكرهم فاختلقوا لها معاني جديدة كانت ملائمة للمعنى المقصود بها بعد الوضع، فالقطار والسيارة، والدبابة أو الزاحفة، والصاروخ، والقنبلة الذرية والقمر الاصطناعي، والسفينة الفضائية كل هذا يدل على أن في لغتنا تعابير يمكن أن تستعمل للدلالة على جل المخترعات.

وما هاته الأمثلة إلا أدلة على أننا إذا هيأنا الفرصة لانتشار لغتنا فسيجد المجال كثير من العلماء والأدباء لخلق ما احتجنا إليه.

وليعلم العرب انه لا يرجع إنجاح لغتنا إلا لأيدينا فلنؤمن بانتصارنا ولنعتقد ذلك لان الإيمان هو أساس النجاح ومهما دخل الإيمان بشيء في قلوب قوم إلا حولوه من طريق التفكير إلى طريق التطبيق والانجاز.

(1) عصر المأمون للدكتور احمد فريد الرفاعي ط الرابعة ج 1 ص 377.


    التعليقات