العالم " الحر " و غير " الحر " ما فتئ يخفي عنا حقائق ناصعة هي مناط فخر لكل مسلم . فعبر سلسلة من التخرصات ينشأ المسلم و هو لا يعرف حجم أمته الحقيقي و أوجه قوتها . و من بين تلك الأوجه التي نجح أعداء الإسلام في إخفائها قوة و حجم اللغة العربية في العالم . و من الجدير ذكره أن تلك الحقيقة عمل الغرب و الشرق على تأخير اللغة العربية إلى أسفل قائمة اللغات العالمية . وعن ذلك يقول الباحث التونسي مراد الطيب إن من بين هذه الحقائق التي برزت إلى السّطح بقوّة وكانت ظاهرة للعيان من خلال التحقيقات والدراسات والمقابلات الصحافية والإذاعيّة والتلفزيونيّة المدى الواسع لانتشار اللّغة العربية في مناطق كثيرة من العالم وعند كثير من المتحدّثين من غير العرب سواء كانوا أكاديميّين أو سياسيّين أو محللّين أو حتى من عامة النّاس الأمر الذي يجعل اللّغة العربية هي اللّغة الثانية عالميّا بعد الإنجليزية من حيث عدد المتحدّثين بها.
ويرجع الباحث الطيب في دراسة تحت عنوان "اللغة العربية في عالم متغير: من اليقظة إلى النهضة" نشرت ميدل إيست أون لاين مختصرا لها أسباب تبوء لغة الضاد للمركز الثاني عالميا والتطوّر الهائل الذي عرفه عدد الناطقين بالعربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين إلى عدّة عوامل أهمها اندحار الاحتلال المباشر الذي كان يحكم قبضته على الثقافة والتعليم في امبراطورياته السابقة وأغلبها من البلدان الإسلامية. والتوسّع الكبير في مجال التعليم برصد ميزانيّات ضخمة له تقارب في بعض الأحيان ثلث الميزانية العامّة للعديد من الدول والقيام بحملات لمحو الأمية للكبار خصوصا.
كما اعتبر الباحث أن من أسباب توسع عدد الناطقين بالعربية التوجّه بقوّة نحو تعريب التعليم في مختلف مستوياته في المشرق والمغرب العربيين والتطوّر الاقتصادي والاجتماعي الذي كان الدّافع القويّ وراء نهضة اللغة العربية وكان أحد أهم مرتكزاته الطفرة النفطية والدّور الرّائد الذي لعبته الجامعات الوطنية في تغذية المجتمعات بالكوادر المؤهلة والمتشبعة بالثقافة الوطنية وهو ما كان غير متيسر سابقا، وتنامي التّواصل بين مختلف أجزاء الوطن الإسلامي من جاكرتا شرقا إلى فاس غربا، وذلك عبر التبادل التّجاري أو الرّحلات الجويّة أو البعثات التعليميّة.
ورأى الباحث الطيب أن للتطوّر الهائل الذي عرفته وسائل الإعلام والاتصال من شبكات الهاتف والمحمول، والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت بحيث أصبح تدفق المعلومات متيسرا بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ وخاصة خلال السنوات الخمس الماضية دورا بارزا في انتشار لغة الضاد.
كما أن إنشاء منظمات إقليمية ودوليّة متخصصة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي وتزايد عدد منظمات الدعوة الإسلامية العاملة خصوصا في إفريقيا وآسيا كان له أيضا الفضل الكبير في توسع عدد الناطقين بالعربية.
الواقع الحالي للغة العربية
ويذهب الباحث التونسي إلى أن اللّغة العربية قد أضحت اليوم تمثل أداة تواصل وتوحيد الأمّة الإسلامية بمختلف مكوّناتها رغم سعي الاحتلال المباشر سابقا وغير المباشر حاليّا لضربها بمختلف الطرق والوسائل ومنها التشكيك في قدرتها على مواكبة العصر واتّهامها بالقصور والجمود والعجز عن استيعاب مصطلحات الحضارة.
ويضيف أن العديد من الدعوات أطلقت لكتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني أو استبدالها باللّهجة العامية، وأن كل هذه المحاولات أخفقت وإن نجحت جزئيا في مقابل ذلك في تغيير كتابة عدّة لغات لدول إسلاميّة منها التركية والإندونيسية والهوسا التي جرى استبدال الحرف العربي فيها بالحرف اللاتيني.
ويقول الباحث إنه بمقارنة عدّة مراجع ودراسات وإحصاءات حديثة يتّضح أنّ عدد الذّين يفهمون أو يقرؤون أو يتحدّثون اللّغة العربية من غير العرب يتجاوز حاليّا نصف مليار شخص متجاوزا بذلك عدد سكّان الوطن العربي (315 مليون) وهو ما يجعل من اللغة العربية المنافس الأقوى للّغة الإنجليزية التي تحتل المرتبة الأولى عالميّا من حيث عدد الناطقين بها.
ويضيف أنه إذا ما تواصل النسق الحالي في تزايد عدد الناطقين بالعربيّة فمن المنتظر أن تتخطى اللغة العربية اللغة الإنجليزية وتحتل المرتبة الأولى عالميا مع نهاية الربع الأول من القرن الحالي.
ويرى الباحث أن ذلك هو "ما يفسر إلى حدّ ما الحرب الشعواء التي تشنها أمريكا على المناهج التعليمية الإسلامية وأداتها اللّغة العربية في إطار ما يسمّى "الحرب على الإرهاب وتجفيف منابع التطرّف".
وفي تعداده للجامعات الرائدة في نشر اللّغة عالميا يذكر الباحث جامعة الأزهر الشريف بفروعها الممتدّة في بلدان عديدة وبعثاتها التي تشمل أغلب أجزاء الوطن الإسلامي والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وجامعة أم القرى بمكة المكرّمة والجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد والحوزة العلميّة في قم في إيران والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا وجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
اللغة العربية في إيران: موقع خاصّ
ويذهب الباحث إلى أن إيران هي أكثر البلدان اهتماما باللّغة العربيّة خارج دائرة الوطن العربي. ويقول إن اللغة العربية ازدهرت فيها بعد انتصار الثورة الإسلاميّة عام 1979 ازدهارا كبيرا وأصبحت اللّغة الثانية في البلاد بعد أن كانت منسية في عهد الشاه. ويذكر أن الدستور الإيراني الحالي نصّ في مادته السّادسة على ما يلي: "بما أنّ القرآن والمعارف الإسلامية هي بالعربيّة، وأنّ الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل، لذلك يجب تدريس هذه اللّغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة المتوسطة في جميع الصفوف والحقول الدراسيّة".
ويقول الباحث الطيب أن عدد الصحف والمجلات التي تصدر باللّغة العربيّة في إيران ما بين يوميّة وأسبوعية بلغ حوالي 50 جريدة ومجلة وأنّ عدد المؤسسات العربيّة التي تطبع الكتاب العربي وتعتمد على اللغة العربيّة في مناهجها وتقوم بتحقيق مخطوطاتها يبلغ حوالي 18 مؤسسة. أمّا دور النشر العربية فقد وصل عددها إلى حوالي 100 دار نشر تصدر آلاف المطبوعات.
ويذكر الباحث أنه على مستوى التعليم الجامعي فإن جامعة الإمام الصّادق وجامعة العلامّة الطبطبائي يتمّ التّدريس فيهما حصرا باللّغة العربيّة فضلا عن أقسام اللّغة العربيّة في كلّ الجامعات الإيرانية الأخرى.
ومن ناحية الإعلام المسموع والمرئي فإنّ القسم العربي في إذاعة طهران يبث على مدار السّاعة (24 ساعة) وقناة "سحر" الفضائية تبثّ يوميّا ولساعات طويلة برامج متنوعة باللّغة العربيّة.( و سواء أراد النظام الشيعي في إيران خيرا بالعرب أو لم يرد – وهو الراجح – فإن تلك الإجراءات تسهم بلا شك في نشر لغة القرآن . و ما يسري على إيران ينسحب على كل جهة تعمل على نشر لغة الضاد في العالم بنية صالحة في ذلك أو غير صالحة فحسب هذا البحث أن يرصد و يغطي موضوعا لم ينل حظا لائقا من الدراسة على أهميته البالغة في نشر الدعوة الإسلامية ) .
اللغة العربية في باقي أقطار آسيا
وأما عن باقي المواقع الآسيويّة التي تحظى فيها اللّغة العربيّة بانتشار واسع فيذكر الباحث دولة باكستان التي تضم 162 مليون نسمة إذ يوجد فيها ما لا يقل عن 50 ألف مدرسة دينيّة يعتبر تدريس اللغة العربيّة فيها أساسيّا وتخرّج منها عشرات الملايين من الطلاّب.
ويرى الباحث أن مما ساهم في انتشار اللّغة العربية بقدر كبير في باكستان انتقال ملايين العمّال الباكستانيين للعمل في دول الخليج العربي خاصّة خلال العقود الثلاثة الأخيرة وهو ما مكنهم من أن يشربوا من معين الثقافة العربيّة الإسلاميّة وينقلوها إلى بلدهم. ( و نضيف رغبة جهات عربية في نشر الوهابية في الوسط الباكستاني و الهندي و الأفغاني ما استدعى إحياء العربية في تلك المناطق ) .
ويلاحظ الباحث في هذا الصدد أنّ سواحل باكستان وخاصّة مدينة كراتشي عاصمتها الاقتصادية لا تبعد سوى بضع مئات من الكيلومترات عن سواحل دول الخليج العربي وأنّ حركة النقل الجوّي والبحري كثيفة جدّا بين العواصم الخليجية ومختلف المدن الباكستانية الأمر الذي يساعد على انتقال العربية.
ويتحدث الباحث في هذا الصدد عن "الدّور الرّائد الذي تقوم به الجامعة الإسلامية العالميّة في إسلام آباد في نشر الثقافة العربية الإسلامية في شبه القارة الهندية وأفغانستان وجنوب شرق آسيا" ويعتبر أن ذلك "هو ما جعلها عرضة لسهام حاقدة من جهات خارجية مغرضة".
وأما في أفغانستان فيذكر الباحث أن اللغة العربية عرفت ازدهارا في ربوعها خلال العشرية الأخيرة من القرن العشرين وبالخصوص خلال فترة حكم حركة طالبان وذلك رغم ضعف الإمكانيات المادية والبشرية.
وفي بنغلادش التي تضم حوالي 143 مليون نسمة وتنتشر فيها أكثر من 40 ألف مدرسة دينيّة يعتبر تعليم اللغة العربية فيها أساسيا كما أن تنظيم العديد من الدورات الإسلامية الدولية السنوية وخاصة من قبل جماعة الدعوة والتبليغ قوّى من حركة التواصل بين مختلف أرجاء الوطن الإسلامي.
وفي الهند التي تضم مليارا و50 مليون نسمة حيث يفوق عدد المسلمين الـ300 مليون نسمة الأمر الذي يجعلها تضم أكبر تجمع إسلامي في بلد واحد فإن نسبة كبيرة من أبناء مسلمي الهند يدرسون في المدارس الدينيّة ولهم جامعات إسلاميّة أهليّة في أغلب المدن الرئيسة.
وفي إندونيسيا التي تضم 214 مليون نسمة وتبلغ نسبة المسلمين فيها حوالي 93 في المائة فقد عرف الشعب الإندونيسي بتعلقه الشديد بالإسلام وحبّه للّغة العربيّة.
ورغم أن البلد لم يعرف انفتاحا سياسيا سوى قبل أعوام قليلة بعد سقوط سوهارتو من سدّة الحكم وارتخاء قبضة السلطة على الحياة الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني ممّا أوجد حركيّة وانتعاشة على مستوى النشاط الإسلامي إلاّ أن إندونيسيا تاريخيا كانت دائما قلعة راسخة وموقعا متقدما لنشر الدعوة والثقافة العربية الإسلاميّة في جنوب شرق آسيا. وتوجد على امتداد البلاد 14 جامعة إسلامية حكومية فضلا عن عشرات الجامعات الإسلامية الأهلية ومئات المعاهد الدينية. وتتميز إندونيسيا بوجود عدد كبير من السكان (عدة ملايين) من أصول عربية وخاصة من اليمن وعمان.
ويذكر الباحث أن آخر ما حدث في إندونيسيا في شهر شباط (فبراير) 2002 هو إقرار تطبيق الشريعة الإسلامية في إقليم "أتشيه" الذي يضم ستة ملايين نسمة واعتماد اللغة العربية في المؤسسات الرسمية.
وفي ماليزيا التي تضم 23 مليون نسمة 65 في المائة منهم مسلمون ويسمّيها البعض "يابان العالم الإسلامي" نظرا لتقدمها التكنولوجي والاقتصادي الكبير وتتميز الحياة السياسة فيها بالديمقراطية وحرية التعبير فإن بعض المقاطعات فيها يتمتع فيها الحرف العربي بوضعية خاصة وبالتحديد في الإقليم التي يحكمها الحزب الإسلامي الماليزي إذ تتم كتابة "اللغة المالاوية" في تلك الأقاليم بالحرف العربي وتستعمل العربية في الإدارات والمؤسسات الرسمية وهي تحظى باهتمام واسع في المؤسسات التعليمية. وتعتبر "الجامعة الإسلامية العالمية" في ماليزيا التي يدرس بها طلبة مسلمون من جميع أنحاء العالم الإسلامي أهم قلعة لنشر الثقافة العربية الإسلامية في البلاد وخارجها.
اللغة العربية في إفريقيا
يذكر الباحث أن نيجيريا تعتبر أهم موقع لتنامي انتشار اللغة العربية في إفريقيا وخاصة بعد إقرار تطبيق الشريعة الإسلامية في 13 ولاية من شمال البلاد وهو أمر يهم قرابة 70 مليون نسمة من ضمن 130 مليون تعدهم البلاد كما أنّ أهمية نيجيريا الاقتصادية كبيرة؛ إذ تعتبر أول منتج للبترول في إفريقيا (2 مليون برميل يوميا) وأن لثقلها البشري تأثير واضح في كامل منطقة وسط وغرب إفريقيا.
فبمائة مليون هم عدد سكانها المسلمين يمكن لنيجيريا أن تكون القاطرة التي ستقود النهضة الثقافية والعلمية والاقتصادية في تلك المنطقة، وقد أخذت المؤسسات التعليمية والثقافة تلعب دورا أساسيا في نشر الثقافة العربية الإسلامية داخل البلاد وتمدد إشعاعها خارجها.
وهو يرى أن الساحل الشرقي لإفريقيا وخاصة تنزانيا (35 مليون نسمة: 50 في المائة منهم مسلمون) وكينيا (34 مليون نسمة: 30 في المائة منهم مسلمون) سيكون له دور بارز في نشر الثقافة العربية الإسلامية في جنوب إفريقيا خاصة مع وجود نسبة كبيرة من السكان ذوي الأصول العربية في زنجبار ومومباسا ودار السلام وعلاقات تاريخية مع جنوب الجزيرة العربية تمتد على مدى قرون عديدة.
الآفاق المستقبلية لانتشار اللغة العربية
ويخلص الباحث إلى أنه بالرغم من أن الجهود المبذولة من قبل المؤسسات العربية الرسمية لنشر اللغة العربية ليست بالمستوى المطلوب إلا أن العديد من المؤشرات تدفع إلى القول بأن اللغة العربية ستعرف أياما مشرقة خاصة وأنها تعتبر الوعاء الحضاري للأمة الإسلامية ويزداد الاهتمام بها يوما بعد يوم ارتباطا بالعامل الديني من ناحية وبالعوامل الاقتصادية والسياسية أيضا.
ويرى الباحث أنه فضلا عن المؤسسات التعليمية التي تقوم بدور كبير في نشرها إلا أنه يتوقع أن يكون الدور الأكثر فعالية في انتشار لغة الضاد سيكون في المستقبل للإنترنت والقنوات الفضائية. ويذكر في هذا الصدد أن هناك نحو 200 قناة فضائية ناطقة بالعربية وهو ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد القنوات الناطقة بالإنجليزية، وبإمكان المرء التقاط برامجها في جميع أنحاء العالم. وهو ما ساهم وسيساهم في تقليص مساحة الغربة التي كانت تعرفها اللغة العربية بين أهلها من المسلمين خاصة عندما يزداد عدد القنوات ذات المضمون الإسلامي والتعليمية منها بالخصوص مما سيمكن المسلمين وغير المسلمين من تعلم اللغة العربية في ما يسمى التعليم عن بعد ويساعد على إتقانها والتخاطب بها دون الحاجة إلى التنقل مسافات بعيدة أو الحصول على مواد تعليمية باهظة الثمن.
ويعتبر الباحث أن إنشاء مواقع عربية عديدة على شبكة الانترنيت سيجعل من اليسير التواصل والتفاهم والتفاعل بين المسلم الفلبيني والمغربي والباكستاني والتونسي والماليزي والنيجيري من دون أن يكون ذلك مكلفا وستقسط بذلك الحواجز الجغرافية والسياسية والمادية التي كانت تعوق هذا التواصل حسب قوله .